للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عصر بعيد. . .

. . . هذا الرجل كان عاشقاً غلبه الحب على نفسه وما غلبه على دينه وخلقه. . .!

إن الحديث عن حب الرافعي لحديث طويل؛ فما هي حادثة أرويها وأفرغ منها، وحبيبةٌ واحدة أصفها وأتحدث عنها؛ ولكنها حوادث وحبيبات، وعمر طويل بين العشرين والسابعة والخمسين، لم يشرق فيه صباح ولم يجنّ مساء إلا وللرافعي جديدٌ في الحب؛ بين غضب ورضى، ووصل وهجر، وسلام وخصام، وعتب ودلال، وحبيب إلى وداع وحبيب إلى لقاء. . . وشابَ الرافعي وما شاب قلبه، وظل وهو يدب إلى الستين كأنه شاب في العشرين. . . ومات وعلى مكتبه رسالة ودادٍ من صديقة بينها وبينه جواز سفر وباخرة وقطار، وكان في الرسالة موعد إلى لقاء. . .!

وقلت للأستاذ الزيات مرة وبين الرافعي وبين أجله عام: هل لك في موضوع طريف عن الرافعي أنشره لقراء الرسالة؟ إن للرافعي في الحب لحديثاً يلذ ويفيد. . .

قال: ومن لي بهذا؟

قلت: أنا لك

قال: ولكنه حديث يُغضب الرافعي!

قلت: وعليّ أنا أن يرضى. . .

وذهبت إلى الرافعي فأفضيت إليه بعزمي. قال: أو تفعلها؟ أفكان لهذا مجلسك مني كل مساء تسترق السر لتدخره إلى يوم تنشره فيه على الناس بثمن. . .؟

قلت: لو أنه كان سراً لم يعلمه غيري ما عقدت العزم على شئ ولكنك يا سيدي. . .

وما كان للرافعي سر يستطيع أن يطويه بين جوانحه يوماً وبعض يوم، فكأنما أذكرتُه ما كان ناسياً؛ فعاد يقول: وماذا تريد أن تقول في حديثك عن حبي؟

قلت: حديثاً لو همّ غيري أن يجعل منه مقالاً لقرائه لما كان الرافعي هو الرافعي عند من يقرؤه، ولكن أحسبني أنا وحدي الذي أستطيع أن أقول إن الرافعي كان يحب فما أغيّر شيئاً من صورة الرافعي كما هو في نفسه وكما هو عند من يعرفه. . . إنني أنا وحدي الذي أعرف الحادثة وجوّها وملابساتها وما كان في نفسك منها؛ ولعلي يوم عرفت كنت أسمع نبضات قلبك وخلجات وجدانك ومرمى أملك وما كانت غايتك في الحب ومداك. أما غيري

<<  <  ج:
ص:  >  >>