للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فهل تراه يعرف إلا الحادثة؟ وحسبه أن يقول: إن الرافعي يحب. . . ثم تكون الفضيحة التي تخشاها وأنت منها طاهر الإزار. . .

واستمع الرافعي إلى حديثي ثم أطرق هنيَّة وعاد يسألني: وهل أقرأ ما تعدّه قبل أن تنشره، أو يكون يومك كأمسك؟

قلت: لك ما تريد

قال: أنت وشأنك!

وأجمعت أمري، وأعددت فكري، وتهيأت للكتابة، ثم شغلتني العناية بطبع (وحي القلم) وتصحيح تجاربه عن الوفاء بما وعدت. . . ومات الرافعي!

فإن يكن في الحديث عن (الرافعي العاشق) حرج فلا عليّ فقد استأذنته فأذن، وما أكتب الآن إلا مستمداً من روحه، راوياً من بيانه، ولديّ شهودي من كتبه ورسائله، وما يعرفه أصدقاؤه وصفوته. وإذا كان الرافعي قد خفت صوته إلى الأبد فلا سبيل إلى أن أسمع رأيه فيما أكتب عن تاريخ قلبه، فإني لمؤمن شديد الإيمان بأنني ما أزال في رضاه ومنزلتي عنده وإن كان بيننا هذا البرزخ الذي لا أعرف متى أجتاز إليه فأسمع من حديثه ويسمع من حديثي!

الحب عند الرافعي

وهل في الحب عار أو مذمة؟

هذا سؤال يجب أن يكون جوابه إلى جانبه قبل أن أمضي في هذا الحديث. . .

أما الحب الذي أعنيه - وكان يعنيه الرافعي - فشيء غير الحب الذي يدل عليه مدلول هذه الكلمة عند أبناء هذا الجيل. . .

إن الحب عند الناس هو حيلة الحياة لإيجاد النوع؛ ولكنه عند الرافعي هو حيلة النفس إلى السمو والإشراق والوصول إلى الشاطئ المجهول؛ هو نافذة تطل منها البشرية إلى غاياتها العليا وأهدافها البعيدة، وآمالها في الإنسانية السامية؛ هو مفتاح الروح إلى عالم غير منظور تتنوّر فيه الأفق المنير في جانب من النفس الإنسانية؛ هو نبوّة على قدر أنبيائها: فيها الوحي والإلهام، وفيها الإسراء إلى الملأ الأعلى على جناحي ملك جميل. . . هو مادة الشعر وجلاء الخاطر وصقال النفس وينبوع الرحمة وأداة البيان

<<  <  ج:
ص:  >  >>