كذلك كان الحب عند الرافعي، ولذلك كان يحب. . . وسعى إلى الحب أول ما سعى على رجليه، منطلقاً بإرادته ليبحث في الحب عن ينبوع الشعر، فلما بلغ أغلق الباب من دونه فظل يرسف في أغلاله سنين لا يستطيع الفكاك من أسر الحب؛ وكانت (عصفورة) أول من فتح لها قلبه فسيطرت عليه وغلبته على نفسه؛ وكانت سنه يومئذ إحدى وعشرين. . .
وبلغ الرافعي بعصفورة إلى غايته، واشتهر (شاعر الحسن) وترنم العشاق بشعره وما بلغت عصفورة إلى غايتها. ثم مضى كل منهما إلى طريق. وأتمّ الرافعي طبع ديوانه. وكما ينتهي الحب الذي هو حيلة الحياة لإيجاد النوع إلى الزواج أو إلى الغاية الأخرى ثم يبدأ في تاريخ جديد - كذلك انتهى حب الرافعي وعصفورة وأنجب ثمرته الشعرية، ثم كان تاريخ جديد. . .
وعلى مثال هذا الحب كم كانت له حبيبات وكم أنجبت ثمرات؛ وإنه ليخيّل إليّ أن الرافعي كان كلما أحس حاجةً إلى الحب راح يفتش عن (واحدة) يقول لها: تعالي نتحابّ لأن في نفسي شعراً أريد أن أنظمه أو رسالة في الحب أريد أن أكتبها. . .! ولقد سمعته مرة يقوله لإحداهن. . . وسمعت إحداهن مرة تقول له: متى أراني في مجلسك مرة لتكتب عني رسالة في (ورقة ورد)؟
على أن الرافعي كان له إحساس عجيب في مجالس النساء، وكان لهن عليه سلطان وله سحر وفتنة. وهو في هذه المجالس فكِه مداعب رائق النكتة لا تملك السيدة الرّزَان في مجلسه إلا أن تخرج عن وقارها؛ وكانت هذه أداته في استمالتهن حين يلتمس الوحي أو يجد الحاجة إلى أن يقرأ شعراً في عينٍ ساحرة. فإذا استوى له ما أراد عاد إلى مكتبه لينشئ وينظم وتنتهي قصة الحب
وكان يسمي كل جميلة (شاعرة) لأنها هي تمنحه الشعر، و (الشواعر) عنده طبقات، على مقدار ما يبعثن فيه من الشاعرية ويرهفن من إحساسه؛ ففلانة شاعرة كالمتنبي، وهذه كالبحتري، وتلك بنت الرومي، ورابعة بشار بن برد، وخامسة عبد الله عفيفي أو شاعر الرعاع. . .!
وحين يجلس في شرفة قهوة (لمنوس) بطنطا وتمر به الجميلات في رياضتهن أو في حاجتهن، تسمع ثبتاً حافلاً بأسماء الشعراء يبدأ من مهلهل بن ربيعة وينتهي بفلان الذي