هدأت ثائرة الرافعي هوناً ما، وفاءت إليه نفسه، واعتدلت مقادير الأشياء في عينيه، وعاد إلى حالة بين الرضى والغضب، وبين الحب والسلوان؛ فاستراح إلى اليأس. . . لولا إثارة من الحنين تنتزع به إلى الماضي، وبقية من الشوق واللهفة على ما كان وفرغت أيامه من الحادثة لتمتلئ من بعد بالشعر والحكمة والبيان
ومضت سبع سنين والحياة تذهب به مذاهبها، والذكرى تغشاه في خلوته وتداعبه في أحلامه، والأمانيّ التي بعثرتها الكبرياء بدداً في أودية النسيان تتخايل له في شكول وألوان، وخواطره من وراء ذلك تعمل، ونفسه الشاعرة تحس وتشعر وتنفعل بما يتعاقب عليها من الرُّؤى والأحلام. وأتم نظم قصيدته البارعة في (أوراق الورد) في سنة ١٩٣١
أوراق الورد هو طائفة من الخواطر المنثورة في فلسفة الحب والجمال، أنشأه الرافعي ليصف حالة من حالاته، ويثبت تاريخاً من تاريخه، في فترة من العمر لم يكن يرى لنفسه من قبلها تاريخاً ولا من بعد
ويقول الرافعي إنه جمع في أوراق الورد رسائلها ورسائله. أما رسائله فنعم ولكن على باب من المجاز، وأما رسائلها فما أدري أين موضعها من الكتاب، إلا رسالة واحدة وجزازات من كتب ونتفاً من حديثها وحديثه
بلى، إن في أوراق الورد طائفة من رسائله إليها، ولكنها رسائل لم تذهب إليها مع البريد، بل هي من الرسائل التي كان يناجيها بها في خلوته، ويتحدث بها إلى نفسه؛ أو يبعث بها إلى خيالها في غفوة المنى، ويترسل بها إلى طيفها في جلوة الأحلام إلا رسالتين أو ثلاثاً مما في أوراق الورد. . . فلما أتم تأليفها وعقد عقدتها، بعث بها إليها في كتاب مطبوع بعد سبع سنين من تاريخ الفراق!
ولكن أوراق الورد ليس كله من وحي (فلانة)، وليست كل رسائله في الكتاب إليها؛ فهنالك الأخرى، هنالك صاحبة (حديث القمر)، تلك التي عرفها في ربوة من لبنان منذ تسع عشرة سنة، وهنا فلانة. . .
هما اثنتان لا واحدة: تلك يستمد من لينها وسماحتها وذكرياتها السعيدة، معاني الحب التي تملأ النفس بأفراح الحياة وهذه يستوحيها معاني الكبرياء والصد والقطيعة وذكريات الحب الذي أشرق في خواطره بالشعر وأفعم قلبه بالألم!