لقد مضت سبع سنين منذ فارق صاحبته (فلانة) كان قلبه في أثنائها خالصا لها، ولكن فكره كان يدور على معاني الشعر يلتمسه من هنا ومن هناك؛ فلما اجتمع له ما أراد ضم أوراق الورد إلى أشواكه، وأخرجها كتاباً للفن أولا ثم لها من بعد
هو كتاب ليس كله من نبضات قلبه الذي يعشقها وما زال متيماً في هواها، ولكن فيه إلى جانب ذلك فكر المفكِّر وعقل الأديب وحيلة الفنان
بلى، إنه كان يحبها حباً لا يتسع القلب لأن يشرك فيه غيرها فكان (قلبه) لها من دون النساء جميعاً، ولكن الذكريات كانت تتوزع (فكره) فتوحي إليه من هنا ومن هنالك ومما يستجد على خواطره من بعد في معاني الحب والبغض والود والقطيعة
هو كتاب يصور نفسه وخواطره في الحب؛ ثم يصور فنه وبيانه في لغة الحب؛ ثم. . . ثم لا يصور شيئاً من بعد ما كان بينه وبين صاحبته على وجهه وحقيقته، إلا أن يتدبر قارئة ويستأني ليستخلص معنى من معنى على صبر ومعاناة في البحث والاستقراء
فما رأيت من رسالة فيها اللهفة والحنين، وفيها التذلل والاستعطاف، وفيها تصنع الغضب ودعوى الكبرياء، وفيها المنى الحالمة تواثب بين السطور في خفة الفراشة الطائرة؛ وما رأيت من معنى تحاول أن تمسكه فيفلت؛ فهو فصل يؤدي أداءه في قصة هذا الحب العجيب
وما قرأت من رسالة تصف ما كان في خلوة نفس إلى نفس، وتقص عليك في لغة الماضي حديث قلب إلى قلب، وتكشف لك عن سر الابتسامة ومعنى النظرة، وتتحدث إليك عن جمال الطبيعة وفلسفة الكون؛ فهو ذكرى من الماضي البعيد، كان حباً في القلب فصار حديثاً في الفكر، ثم استتبع شيء شيئاً
وما قرأت من قول مزوق، وبيان منمق، ومعنى يلد معنى، وفكرة تستجر فكرة، وعبارة تتوكأ على عبارة؛ فهو من أداء الفن وولادة الفكر.
ولقد تجد رسالة كلها حنين ولهفة، أو حادثة وذكرى، أو فن من الفن؛ ولقد تجد كذلك رسالة غيرها تجمع هذه الثلاثة في قرن؛ ففيها قلب ينبض، وذكر تعود، وبيان مصنوع
فإذا أنت عرفت هذه الثلاثة، عرفت الكتاب، وعرفت صاحبه، وخرجت منه بشيء
يبدأ أوراق الورد بمقدمة بليغة في الأدب يتحدث فيها عن تاريخ رسائل الحب في العربية