(الاستقراء) وبعد (النظر) و (التجويد)، وتمكننا من السيطرة على القوى الطبيعية، وتنتهي بنا إلى فكرة (الوحدة) التي يندمج فيها الكون كله. ودراسة الرياضة تعطينا كما يقول المسيو فكرة واضحة عن (القياس)، وتنتهي بتفكيرنا إلى نتائج مؤكدة، وتبث فينا احترام الحق، وتقدم لنا أكبر أداة للبحث الدقيق في علوم الطبيعة. أما الفلسفة والأخلاق واللغة والفن والدين فقيمتها جميعاً عظيمة إلى أبعد حد وإن خلت من النفع المحسوس كما يتهكم دعاة (الخبز)!؛ ألم يقل الإنجيل (لا يعيش المرء بالخبز وحده)؟ أو لا ترتفع هذه العلوم بالمرء إلى عليين وتجعله فوق البشر؟
٢ - وأما (الجمال) فسبيله العاطفة ويشمل الفن والدين. والجمال المحسوس وحدة تسيطر على كثرة، وتبدو في مادة تجسم معنى. وأرقى الفنون هو (الأدب)، وأرقى ما في الأدب (الشعر)، والعلاقة بين الفلسفة والأدب هي أن هذا يعبر عن الحياة بالإلهام، وتلك تعبر عنه بالمنطق؛ كما أن العلاقة بين الفن والدين هي أن هذا تعبير عن الشعور إزاء الشيء الإلهي، وذلك تعبير عنه إزاء الشيء الجميل. هذا وقيمة الفنون في التربية عظيمة بحيث لا سبيل إلى إغفالها. أليس الإحساس بالجمال أمتع شعور يستطيع أن ينعم به العقل؟ أو لا يمدنا ذلك الإحساس بقوة سامية تعيننا على الرفعة في الحياة؟ أو لم يعترف (دارون) بطل التاريخ الطبيعي المشهور في مذكراته الخاصة: أن انكبابه على (العلم البحت) قد افقده لذة ذلك الشعور العظيم بالجمال؟ أو لم يصرح بأنه لو ارتد صغيراً لأخذ نفسه كل يوم بترتيل قصيدة من الشعر، وسماع لحن من الموسيقى، ورؤية آية من آيات الفن لئلا يفقد على مر الزمن أسمى شعور بالسعادة يتاح للإنسان؟ وكذلك قيمة الدين في التربية عظيمة ولاسيما في هذا العهد المادي الجشع الذي يملأ الإنسان عتواً وغروراً. ذلك أن الشعور الأساسي في الدين هو الضعف والاعتماد، ويؤدي ذلك بنا إلى الإحساس (بالجوهر الخال) في أمثل صوره وأعظمها، وإلى الفناء فيه والرضا بقضائه وقدره فيسهل علينا احتمال الحياة، ونقدم على الكفاح فيها بقوة وبأس وإقدام. ولكن لما كانت دراسة الدين في المدارس تؤدي أحياناً إلى نزعات وعصبيات طائفية، فإن الأمل في (المعلم) وفي لباقته وحسن منزعه لم يزل كبيراً. ذلك أنه يستطيع أن يكون أمام التلاميذ (نبياً) لا شيخاً ولا حاخاماً ولا مطراناً!