أقول أن تربيتنا الدينية يجب أن تكون على طبقة من الاستنارة تضارع تربيتنا في الثقافة العامة. وقد جاءت قوة الإسلام الدافعة في عصره الذهبي من حقيقة واحدة: وهي أنه كان ديناً جد بسيط وجد واضح، خلوا من التعقيد والإبهام، فأخرج للدنيا ثقافة رفيعة، وحول القبائل المتبدية في فترة وجيزة إلى أمم متحضرة تعيش عيشة المدينة. ولا بد للإسلام في نهضته المقبلة من قيادة اتباعه مرة أخرى إلى الحضارة الصحيحة؛ ولن يتسنى له ذلك إلا إذا اطرح الآراء الجامدة العتيقة والتجريدات المتخلفة من عقائد القرون الوسطى وليست هي من جوهر الدين في شيء. عندئذ - وليس قبل هذا - يعود الإسلام وهو تلك القوة الروحية التي تفتقر إليها البلاد أشد افتقار
فعاد المؤلف يسأل الباشا: وما هي إذن مسألة الغد في مصر المقبلة؟
فأجابه الباشا: مسألة الغد هي التعليم ثم التعليم كرة أخرى. وعلى أساتذتنا الدينيين والعصريين معاً ألا يقصروا تربيتهم على اقتباس العلم وحده، بل يضيفوا إليه اقتباس الخلق والتهذيب. وعليهم أن يردوا الشعب إلى فضائل الشجاعة والصدق وحب الخير وحب الفن والمعرفة، ونظافة العقل والبدن، وهي الفضائل التي كانت مبعث القوة في الإسلام. وعلى شبابنا المتعلمين وهم أشباه متعلمين أن يذكروا أبداً أن الأمة من الأمم لا يجوز لها أن تنعت نفسها بالتحضر والمدنية ما عاش أبناؤها على تلك الحالة المحزنة التي يعيش فيها الفلاحون، ولا تغيير لها قبل انقضاء زمن مديد في التثقيف والتهذيب)
وسأله المؤلف: أيوجد في مصر أناس عندهم من البصيرة والشجاعة الأدبية ما يتطلبه التصدي لإصلاح البلاد والجهر بحاجاتها؟
قال الباشا: نعم. هناك أناس من هؤلاء، واذكر لك على سبيل المثال أسماء أصدقائي لطفي السيد وحسين الهيكل ومصطفى وعلي عبد الرازق وطه حسين
وهنا أنتقل المؤلف إلى رواية الحديث الذي جرى بينه وبين الدكتور طه حسين، وقد بدأه الدكتور بكلام يدل على تغير الشبان من الوجهة الدينية
فسأله المؤلف: أترى أن الدين لا يدخل عندكم في حياة الشباب؟
قال الدكتور: على النقيض. إن له لدخلا في حياتهم، لأن للشباب تناقضاً معروفاً، ومن تناقضه عندنا مسلكه في أمر الدين، فالشبان المصريون في مقاومتهم للنفوذ الأجنبي، وفي