شعورهم الوطني يصدرون عن عقائد آبائهم وتقاليد أسلافهم. ولم هذا؟ لأن القرآن في الشرق الأدنى هو الأساس الوحيد الذي يقاوم عليه بناء أمة؛ وقد اصبح شبابنا العصريون في حياتهم الدارجة شعبة صغيرة منقطعة عن سائر الأمة. إلا أنهم يجدون أنفسهم في القرآن على ملتقى واحد مع كل فلاح وكل بدوي في الصحراء؛ وهم - باعتمادهم على القرآن - يهيئون لسواد الجماهير أن يحالفوهم في المعركة السياسية، وإنما يأخذون من القرآن أسلحتهم السياسية ولا يستمدون منه عتاد الروح)
فقاطعه المؤلف سائلاً:
وما هو موقفهم إذن من الناحية الروحية؟
فأجاب الدكتور:(أما من الناحية الروحية فهم واقفون في العراء. لم يهضموا فلسفتهم العقلية الحديثة لأنهم تلقوها في الغرب بعقولهم ولم يشركوا فيها قلوبهم وضمائرهم، ولكنهم قد انحرفوا عن جادة آبائهم فهم بمعزل عن كل مَعْلم من المعالم الروحية، وإن كان هذا لا يعني أنهم بمعزل عن الدين في آمالهم ومخاوفهم)
فسأل مؤلف الكتاب: أتحسب إذن أنهم يثوبون إلى الدين في أزماتهم الحاسمة؟
قال: فضحك الدكتور طه حسين وقال: هذا ما أعنيه تماماً، فقبل الدخول إلى مشرحة الجراح، وقبل الدخول إلى حجرة الامتحان، يثوب المتطرف منهم في الإيمان بالعقل إلى الإيمان بقوة فوق متناول التفكير، أو بقوة تعين الجراح وتلهم الأستاذ الممتحن وتوحي إلى المسئول كيف يجيب، ويعود فجأة إلى اسم الله. . .)
وبعد مناقشة في رأي الشيخ المراغي وفيما يحسن بالرجل العصري أن يتخذه من موقف في أمور الدين ختم الدكتور حديثه قائلاً ما معناه: إن المصريين فرديون متفرقين، ولكنهم في المجتمع منساقون مسلسون
وبين الكبراء الذين حادثهم (روم لاندو) علي ماهر باشا واحمد حسنين باشا قبل أن يندب الأول لرآسة الديوان الملكي
فكانت خلاصة الحديث الذي أفضى به علي ماهر باشا أن الشعور الوطني قد طغى بعد الحرب على كل شعور آخر، وأن الجيل الحديث سيعود كرة أخرى أدراجه إلى حظيرة الدين، وأن أناساً من أبنائه يتعطشون - حتى في هذه الآونة - إلى مورد للدين يكشفونه