من المجتهدين يزيدون على ثلاثمائة فاضل من الشيعة، أما من أهل السنة فما لا يحصى، وأن الخلفاء العباسيين في بغداد أعطوه كرسي الكلام، وكان ذلك لمن كان وحيداً في ذلك العصر. وكانوا مبالغين في تعظيم العلماء لا فرق لديهم بين المذاهب الإسلامية، ولكن الوشايات أخذت تدب حول هذا العلم حتى اضطرته أخيراً أن يغادر الزوراء ويشد الرحال إلى جوار ابن عم الرسول وهناك يقيم دعائم مدرسته. حكى القاضي في مجالسه عن ابن كثير الشامي أن الطوسي كان فقيه الشيعة مشتغلا بالإفادة في بغداد إلى أن وقعت الفتنة بين الشيعة والسنة (وهذه الفتن الداخلية هي التي خضدت شوكة الإسلام حتى انهار مجده) سنة ٤٤٨هـ. واحترقت كتبه وداره في باب الكرخ فانتقل من بغداد إلى النجف وبقي هناك إلى أن توفي سنة ٤٦٠هـ. وأضاف في الروضات احتراق كرسيه الذي كان يجلس عليه للكلام. وحكى جماعة أنه وشى بالشيخ إلى الخليفة العباسي فاستدعاه؛ غير أن الطوسي استطاع أن يزيل ما علق بخاطره فرفع شأنه وانتقم من الساعي وأهانه. وقال ابن الأثير (ج ٩ ص ٢٢٢) وفي سنة ٤٤٩ نهبت دار أبي جعفر الطوسي بالكرخ وهو فقيه الأمامية وأخذ ما فيها وكان قد فارقها إلى المشهد الغروي. هاجر الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف وسكنها وبقي يدرس اثنتي عشرة سنة، وألف كتباً قيمة في التشريع الإسلامي لم تزل مراجع؛ للعلماء فمنها (تهذيب الأحكام) و (كتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) و (المبسوط) و (الفهرست) و (ما يعلل ومالا يعلل) و (المجالس) الخ. ثم بقي تلامذته بعد وفاته عند مرقد الإمام واستمر التدريس والمهاجرة إلى المعهد العلمي النجفي حتى ظهر في الحلة المحقق الأول صاحب شرائع الإسلام (المتوفى عام ٦٧٦) فاتجه رواد العلم إليه وقامت حركة فكرية قوية فيها فيما بعد، من أقطابها تلميذه العلامة الحلي صاحب المؤلفات القيمة الكثيرة في الفقه وأصوله والكلام وغير ذلك وفي أثناء ازدهار الحركة العلمية في الحلة لم تضمحل في جارتها النجف، فهذا الشيخ الرضي كما قال السيوطي في بغية الوعاة (ص ٢٤) هو الأمام المشهور صاحب شرح الكافية لابن الحاجب الذي لم يؤلف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله جمعاً وتحقيقاً وحسن تعليل. وقد أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم، وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختبارات جمة ومذاهب، ينفرد بها وله أيضاً شرح الشافية في الصرف. قال في