ثم إننا إذ نقول الناقد فلسنا نريده من أولئك المزورين الأدعياء الذين ليس لهم أداة النقد، ولا عندهم وسائله، ولكنا نعنيه من أهل النظر المميز، والمتأمل الفاحص، أولئك الذين لهم قدرة الحكم، وفيهم قوة الصواب، وعندهم وسائل الترجيح، وغايتهم الأنصاف، وشأنهم خدمة الفن، وهم من ضميرهم في يقظة تلقى في روعهم دائماً أن الناقد مستهدف يعرض عقله وثقافته وحكمه على الناس، فإذا لم يخلص للحقيقة، ولم يفطن إلى مواقع الصواب في كل هذا عرّض نفسه للزراية والسخرية، وتدلى بعقله وفنه إلى أسفل. . .
والقوم في أوربا يفهمون النقد بهذا المعنى، ويجرون فيه على هذا الأعتبار، والناقد لا يقوم فيهم إلا بهذه القوة وعلى هذا الشرط، ولذا نجد النقد عندهم قد أزهر وأثمر، وأفاد ونفع، فهو مجلي العبقريات ودعائم النبوغ وظل التأليف، وعضد الفن، يدعن له الأدباء في ارتياح واطمئنان، ويرمقونه بالإجلال والإكبار ويصيخون لكلمته بالوعي والأنتفاع، وبهه الروح الطبية استطاع (تين) أن يخلق (ستاندال) ويرفع من (كانت)، ويدين تسعة أعشار الطبقة الراقية من الفرنسيين في القرن التاسع كما يقول بعض المؤرخين!