أحس أن حكمة الشاعر في التمييز بين عقل العجز والجبن وبين عقل الفطنة المقرونة بالشجاعة والطموح ليست حكمة الشعر التعليمي أو الوعظي، وإنما هي حكمة الخبرة والتجارب والفطنة المقرونة بالطموح إلى الآمال السامية، وهو ذلك الطموح الذي كان من مظاهر الاعتداد بالنفس عند المتنبي، وهذا ما يلمسه القارئ في باقي حكمة المتنبي فيسلم نفسه للشاعر يتصرف بها أثناء قراءة شعره حسب بيان خبرته وحكمته وآماله وآلامه، وإذا قرأ قول المتنبي:
وخِلة في جَلِيِسٍ ألتقيه بها ... كيما يرى أننا مثلان في الوَهنِ
وِكلمةٍ في طريقٍ خفت أعربها ... فيهتَديَ لي فلم أقدر على اللحن
كم مخلص وعُلًي في خوض مهلكة ... وقتلة قُرِنَتْ بالذم في الجبن
لا يُعْجبَنَّ مضيما حسن بزته ... وهل تروق دفيناً جودة الكفن