أو ثلاثة من أهل مصر ولبنان إلى جمح التأثر وتحديده ومراقبته حتى تتغلب المعرفة على الإحساس. ألا أني أرى فيما يكتب الدكتور أدهم موضوعين للنظر: الأول اعتماده على الآراء القبلية والمسلّمات والمقبولات. وترى ذلك في الفصل الأول والثاني اللذين كتبهما في خليل مطران، ومثل هذا الأسلوب أجنبي عن طريقة النقد الموضوعية؛ لأن هذه الطريقة تذهب من الواقعات إلى النظر ومن الخاص إلى العام: فلا يتكلم الناقد مثلاً على لون من ألوان الشعر ليدل بعد ذلك على أن شاعراً من الشعراء ينظم على ذلك اللون، بل يجري على عكس ذلك. ومن هذا أيضاً أن الدكتور أدهم يقرر القضية من باب الارتجال فيستخلص منها ما يستخلص: من ذلك قوله في مطران (المقتطف يونيو ١٩٣٩ ص ٨٧): (وقد خلص الخليل من هذه السنين (سنين الطفولة) بطبيعته الاجتماعية التي تميل إلى خلق جملة صلة اجتماعية مع الناس). فإني لا أفهم هذا النحو من التفكير (الموضعي) وكأني بالدكتور أدهم اقتبس مني (انظر (مباحث عربية) ص ٧٦) هذا التعبير: (جملة صلة اجتماعية) مع ما ينظر إليه باللغة الفرنسية، من دون أن يحسن استعماله في مجرى حديثه، على ما يبدو.
وأما الموضع الثاني فإهمال الدكتور أدهم لاستقصاء المصادر. من ذلك ما فاته من مراجع فن توفيق الحكيم. فقد كان يحسن به أن يلتفت إلى ما كتبته في هذا الباب في مجلة الشباب (٩ مارس سنة ١٩٣٦) ومجمله: أن كلام توفيق الحكيم في مسرحياته الأولى على أن (الكائنات ظواهر لا حقائق) وما يترتب على ذلك من صراع بين الواقع والحلم، وبين الزمان والتاريخ وبين الشهوة والرغبة، إنما هو أصلاً لكاتب مسرحي فرنسي يدعى ومن تآليف هذا الرجل (إنما الزمان حلم)(سنة ١٩١٩) و (آكل الأحلام)(سنة ١٩٢٢) و (الرجل وأشباحه)(سنة ١٩٢٤). ثم إن في قصص توفيق الحكيم مظهراً آخر مستمداً من الأول وبيانه: أن الإنسان يسيّره ما لا يعرفه وما لا يقدر على مقاومته. وهذا الرأي الآخر يرجع إلى كاتب بلجيكي يدعى موريس ميترلنك (وإلى إبسن قبله). بقى أن الأستاذ توفيق الحكيم ينحو نحو ميترلنك في إنشاء ما يقال له في فن المسرح (الجو)، وجو القصة المسرحية قائم على بث الأنوار، وتوزيع الأثاث وإجلاس الممثلين، إلى غير ذلك. وجو المسرحية عند الحكيم كجو المسرحية عند ميترلنك من حيث الميل إلى بسط الإبهام على