وحُمل - وهو ما يَبتُّ سكراً - إلى دار أعدت له. فلما تنفس الصبح أفاق من غشيته الطويلة! فإذا الجاريتان عند رأسه تمسحانه وتروِّحانه، فيصافح وجهه النسيم الرطب مشوباً بأنفاس الغالية والملاب!
وإذا عدة من الخدم يحمل كل واحد منهم بَدْرة وهم وقوف ينتظرون صَحْوته من خُماره!
فتقدم أكبرهم في أدب واحتشام فقال: أمير المؤمنين - أطال الله بقائه - يقرأ عليك السلام! ويقول لك: خذ هذه البِدَر فأصلح بها شأنك
فبالغ حماد في الدعاء! وأستنفد الوُسْعَ في الثناء! ثم قفل راجعاً إلى بلده بثلاث غنائم: بالأمان والجمال والمال! وقد أدركته المنية سنة خمس وخمسين ومائة، فرثاه ابن كِناسة الشاعر يقول:
لو كان يُنجي من الرّدى حذَرٌ ... نجّاك مما أصابك الحذرُ
يَرْحُمك الله من أخي ثقة ... لم يك في صفو ودّه كدر
فهكذا يفسد الزمان ويفنى العلم (م) ... فيه ويدرُس الأثر