لتجديد تاريخها بأسباب القوة التي تدفع في أعصابها عنفوان الحياة. والضعف يجعل محاكاة القوى أصلاً في كل أعماله. فلما فسدت قيادة أصحاب الرأي عند هذه الأمم الضعيفة، وكان لابد للمستيقظ من أن يعمل، كان عمل الأفراد متفرقين منسحباً على أصلين: ضعفٌ أورثهم إياه ضياع كيان الدولة السياسي، وضعف كرثهم به تفرُّق القيادة وشتات الأغراض، فلا جرم أن يكون كل عمل موسوماً بسمة من ضعف مظاهر بضعف صاحبه، ولا جرم أن يكون أعظم أعمالنا هو تقليد الناس على الهوى والجهل والدهشة المتصرفة بغير عقل
هذا كل شي تحت أعيننا وبأيدينا: بيوتنا، مدارسنا، بناؤنا، رجالنا، نساؤنا، علمنا، أدبنا، فننا، أخلاقنا. . . كل ذلك على الجملة والتفصيل قد وُسم بميسم الضعف والتفرق وانعدام التشاكل بين أجزائه التي يتكون من مجموعها معنى الأمة، وكلها تقليد قد تفرقت في جمعه أهواء أصحابه من هنا وهنا. والتقليد بطبيعته لا يتناول من الأشياء إلا ظاهرها، فكل مآخذنا من أجل ذلك ليست إلا مظهراً
هذه المرأة - هي فن الحياة الذي يشتهي أبداً أن يبدع حتى في الأذى - ما تكادُ ترَاها عِندَنا إلا دُمْيَة ملّفقةً من الحضارات وبدعها. . . ثيابها، زينتها، حليها، تطريتها، شعرها، تطر يف بنانها، مشيتها، منطقها. . . كل ذلك أجنبي عنها متكلف منتزع من مظاهر غانيات باريس وعابثات هوليوود، ليس له من جنسها ولا أصلها شبْه تنزع إليه، وأسمجه أنه ملفق لا يتشاكل تشاكل المصدر الذي اجتاب منه بالتقليد
وهذا الكتاب وهذا الشاعر - وهما فن الحياة الذي يعمل أبداً في تجديد معانيها بالتأثير والبيان - لا تجد فيما يكتب أكثرهم إلا المعاني التي نقلت من مكانها بالاعتناف والقسر فوضعت في جو غير جوها فاختنقت فمات ما كان حيا من بيانها في الأصل الذي انتزعت منه
وهكذا. . . هكذا كل شيء تأخذه العين أو يناله الفكر، إنما هو دعوى ملفقة وتقليد مستجلبٌ وبلاءٌ من البلاء. ولا نزال مقلدين حتى يستطيع الأحرار - وهم قلة مشردة ضائعة - أن يبسطوا سلطانهم على الحياة الاجتماعية كلها، ويرد إلى الأحياء بعض القلق الروحي العنيف الذي يدفع الحي إلى الاستقلال بنفسه والاعتداد بشخصيته، والحرص على تجديد المواريث التي تلقاها من تاريخه، ويغامر في الحضارة الحديثة بروح المجدد لا بضعف