للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المقلد، فعندئذ ينتزع من الحضارة الأسباب التي تنشأ بقوتها الحضارات، ولا يكون موقفه منها موقف المسكين الذليل المطرود من المائدة. . . ينتظر وفي عينيه الجوع ليتقحم من فتاتها

صورة النفس

عرضت لي مقالة في مجلة الثقافة عدد (٥٤) عنوانها (الأدب صورة النفس) كتبها الأستاذ (محمد مندور)، وقد استوقفني عنوانها قبل أن أقرأها، لأن هذه هي الحقيقة التي نقولها ولا نصل فيها إلى حق. وقد تغاوى النقاد عليها ومع ذلك فما نظفر من أقوالهم إلا بالمبهم بعد المُبهم، ولا نجد لأكثرهم شرحاً لها يفي بمدلولها أو بسرها أو يزيل الإبهام عن مسالكها. . . يقول الأستاذ: (وإذن، فالآثار الأدبية والفنية تطلعنا بغير تحفظ على أسرار واضعيها النفسية بأسلوبها الخاص. . . ونحن نقصد بذلك إلى البحث عن نفس الكاتب والشاعر في تضاعيف ما يكتب. . . وعمل الناقد إذن عمل كشف عن أسرار لا تقع تحت البصر لأول نظرة، وسبيله ذلك لا يمكن أن يكون إلا حساً باطنياً ترهفه التجارب والمعرفة الطويلة بمختلف النفوس. . .)؛ وكل هذا جيد من القول، وهو كالشرح على عنوان المقالة. ولكني رأيت الأستاذ ينظر في آثار أدبية لأستاذين جيلين هما: أحمد أمين وطه حسين، وشرع يتكلم عن بعض آثارهما. تكلم عن مقال (في فيض الخاطر) وهو (صديق) فإذا كل الذي قاله وصف يمكن أن يقع على كل كلام، فيقول (سترى كيف حطم الأستاذ هذا الصديق، فرده إلى عوامله الأولية؟ وقد تقاصرت جمله متجاوبة كأنها ذرات مادية نتجت عن هذا التحليل). . . والنتيجة! والنتيجة أن الأستاذ أحمد أمين أو أسلوبه أسلوب تحليلي، وفيه قوة مخيفة! والأستاذ طموح متقلقل في شتى السبل، لأنه كتب عن الشمس وعن الليل، يستقري ما يجوب في ظلام الليل، وما تغدقه الشمس؛ ولا يصف جمالها أو وحشته! وهكذا، ولا أدري كيف أستخرج شيئاً من كل الذي كتبه يدل على الذي أراده مما نقلناه آنفاً؟ ولا كيف عمل هو في الوصول إلى هذه الأحكام التي دمغ بها الآثار الأدبية وأصحابها؟ ولا كيف كان عمله في التحليل النفسي الذي أحس به إحساساً باطنياً!!

إنه لابد لمن يتناول مثل هذا الموضوع أن يفصل القول، فلا يجمله، لأنه بلا شك موضوع جليل، والكلام فيه سلوك في مجهل غامض يحمل على الإبانة والإيضاح، وإلا كان الكلام

<<  <  ج:
ص:  >  >>