من أدراها بمواسم الأفلاك؟ ومن أدراها بعدد السنين والحساب؟ ومن أدراها بمواعد الأرض والسماء، ومواسم الصيف والشتاء؟
إنها لتدري!
إنها لتقرأ الخط وتفسر الأرقام وتدرس الأزياج وترقب الأرصاد
إنها لقارئة وحاسبة وفلكية وميقاتية، وكل ما شئت من أوصاف العلم والدراية
مالك لا تصدق؟ ما لك ترتاب؟ اسمع سؤالاً وجوابه، وأنت خليق أن تعلم بعد ذلك من منا على خطأ، ومن منا على صواب:
فقد سأل أناس: لماذا تغرد الطير في الربيع؟ لماذا تتغزل وتتغنى في هذا الأوان؟
فحار بعض العلماء في الجواب، وبحثوا ونقبوا، وفحصوا وقلبوا، ثم عادوا إلى السائل قائلين، وهم على أيقن يقين:
إن الطير تغنى في الربيع لأنها تجد طعامها موفوراً فيه، وإنها لتشبع من ذلك الطعام فتسري فيها حرارة الشبع، فتعرف الحب فيلهمها الحب الغناء!
جواب علماء. . .!
فقل لي بحق العلم عندك: أيهما أحق بالتصديق: أن يسألك السائل كيف تعرف الطير المواسم فتجيبه إنها تعرفها لأنها تدرس الفلك وتقرأ التقاويم وتحسن الحساب، أم يسألك السائل لماذا تغني في الربيع فتجيبه إنها تغني لأنها تجد الطعام؟
ماذا على هؤلاء العلماء لو فهموا أن الحياة التي تنبت الشجر وتكثر الحب وتملأ السنابل بالطعام لن تقف مغلولة اليدين مع الأحياء، ولن يتأتى أن تعطي الأرض ما تعطي وأن تعود إليهم وحدهم بغير عطاء؟
لماذا تثمر الأرض وتشرق الأزهار في الربيع؟
إن هذا لأعجب من تغريد الطير وحركة الحيوان. فإذا استطاع الربيع أن ينفخ الحياة في بذرة ورقة، وفي غصن وثمرة، فما باله يعجزعن ابتعاث الطير وتحريك الأحياء؟ وما بالنا نرجع إلى الطعام ولا نرجع إلى الذي نفخ الحياة في الشجر الأعجف فأصبح طعاماً يأكله من يشاء