الرحيل إلى القاهرة حيث يهاجر ليلتمس الغنى ثم يعود. . .
وخرج همام من القرية يحمل على كتفه خُرجاً فيه زاده ومتاعه حتى بلغ شاطئ النهر، وخلف زوجته في القرية تنتظر
وكان ثمة رمث من جرارٍ مشدودة عنقاً إلى عنق يتأهب لرحلة نهرية إلى القاهرة، فوضع همام متاعه عن كاهله وأتخذه مركباً إلى حيث ينشد أمانيه
وأرسى المركب بعد أيام على ساحل (الفسطاط)، فنزل هما يضرب في شوارع القاهرة ومتاعه على ظهره، حتى انتهى إلى مستقره في غرفة في دار في حي (بولاق) يساكنه فيها بضعة نفر قدموا لمثل غايته من بلاد متفرقة في الصعيد الأعلى فألفت بينهم الغربة وجمعتهم وحدة الأمل. ومضى يلتمس الرزق بساعدٍ قوي وعزم صليب، فلم يلبث أن انضم إلى جماعة من الفعلة في أعمال البناء، يمضي شطر نهاره يحمل مكتل الآجر صاعداً هابطاً على خشب مشدود من أسفل البناء إلى أعلاه ومن أعلاه إلى أسفله، ينضح العرق جبينه ولسانه لا يفتر عن الغناء، يصف أشجان الحبيب النازح إلى أمل يرجوه ومن خلفه حبيب ينتظر؛ فإذا حميت الظهيرة فاء إلى ظل جدار قائم يتناول طعامه لقمة من خبز قديد وملح جريش وماء؛ ثم يستأنف عمله. . .
لم يكن العمل الذي يزاوله همام مما ألِفَ حين كان يعيش بين أهله في القرية المطمئنة في أحضان الجبل الشرقي، ولكنه كان أحب إليه لأنه كان أكثر جدوى عليه. واستطاع أن يجمع من فضل أجرته بعد شهرين جنيهاً وبعض جنيه، أرسل منه ما أرسل إلى زوجته وادخر الباقي لنفسه، ودأب على ذلك من بعد؛ فكان لزوجته من فضل أجرته كل شهر نصيب معلوم، ولصندوق الادخار ما بقى. . . ولما جاءه النبأ أن زوجته قد وضعت، أرسل إليها بهدية وعلاوة تشتري بها كسوة للصبي، ولكنه لم يغفل أن يضع في صندوق الادخار ما يضع كل شهر، رجاء أن يكون له يوماً دار ونخيل، ومزرعة على الساحل إلى جانب مزرعة العمدة، هناك، حيث تنتظر زوجته وأم ولده. . .!
لقد مضى عام منذ هجر همام القرية يسعى إلى الغنى، وأنه هنا وزوجته هناك، وولده؛ أما هو فكان له شأن يشغله عن الفكر والحنين، وأما هي فكان لها أمل تأمله في يوم قريب - يربط على قلبها ويزيل وحشتها، وأما الصبي. . . وماذا يدري الصبي بعد؟