للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قلنا إن الأشعرية يرون أن الحاكم على الأفعال بالحسن والقبح هو الله الذي لا سبيل للعقل في الحكم عليه لأنه سبحانه متعال عن أن يحكم عليه أحد من العباد فهو خالق أفعالهم وجاعل بعضها حسناً وبعضها قبيحاً، ويلاحظ أن في هذا أخذاً - إلى حدٍ ما - بمذهب الجبرية الذي يقول إن الله قدر الأفعال حسنها وقبيحها، على الناس أزلاً، فلا مجال لهم في كسب أو اختيار ما دام أن العبد لم يقدّر فعله، فضلاً عن أن الثواب والعقاب هما لله وحده وليس في طوق العبد أن يعلم بهما إلا منه تعالى.

والواقع أن الحسن والقبيح إذا تأملنا فيهما تأملاً تجريدياً حكمنا بحق أنهما ليسا صفة ذاتية في الفعل وليسا أمراً ثابتاً مستقراً فيه حتى يصح حكم العقل على حسن الفعل أو قبحه. والعقول بجانب هذا مختلفة متفاوتة لا تتفق في حكمها، بل إن عقل الشخص الواحد لا يثبت في حكمه على شيء من الأشياء على حالة واحدة، تبعاً لاختلاف المؤثرات الزمانية والمكانية وتفاوت التفكير قوة وضعفاً.

ونخلص من هذا إلى أن المعتزلة قالت بنظرية القانون الطبيعي قبل الغربيين بزمن مديد، وهي النظرية التي تجعل العقل البشري مصدراً للقانون يعلو على التشريع سواء كان صادراً من سلطة غير منظورة كالله، أو من سلطة منظورة كالسلطان (الإمام). فالعقل - كما يقولون - هو الذي يستقل بكشف قواعد هذا القانون ومبادئه الخالدة معتمداً في هذا على الإدراك الصحيح والذوق السليم.

صلاح الدين الشريف

المحامي

<<  <  ج:
ص:  >  >>