في القطعة الأثرية. ولم تكن القطعة هي الآنية، ولكنها تمثال فتاة كان موضوعاً خلف الآنية. وكانت تلك المسكينة لضعف بصرها تحسب زوجها يشير إلى الآنية. وبعد موته رأت مدام يندبني أن تبيع كل ما تركه زوجها إلا الاتية؛ واستدعت أحد الهواة فأرته المكتبة وما فوق دواليبها، وقالت إنها تريد أن تبيع ذلك كله صفقة واحدة. وكان التمثال لسوء الحظ لا يزال موجوداً وراء الآنية، فنظر المشتري إلى كل الأشياء فأدرك قيمة التمثال وأشار إليه وقال:(وهل تدخل هذه القطعة ضمن الصفقة؟) فصاحت الأرملة محتدة (الآنية! فإنني لا أبيعها، فهي أنفس شيء عندي إنني لا أبيع هذه الأشياء لأني محتاجة إلى الثمن، ولكن لأنه ليس لها لزوم عندي) ونظر المشتري إليها وقدر أنها مجنونة فلم يناقشها، وأشترى التمثال بخمسين فرنكاً ثم باعه بعد ذلك في أمريكا بنصف مليون وباعت السيدة سائر التحف والمنزل وما فيه. وأخذت الآنية معها وذهبت إلى الريف. ولاحظ خدمها الجدد وأقاربها وجيرانها أنها لا تخشى على شيء غير الآنية، وأنها تحذرهم من المساس بها كل التحذير. وشاع في القرية أنها تعبد آنيتها هذه، وأن عقلها غير سليم
وأخذوا يناقشونها وهي تحتد في طلب سكوتهم، وتزيد في حرصها على آنيتها وإيصاء الخدم بها، فاستدعى أهلها طبيباً، وسألها الطبيب عن سر هذه الآنية. فقالت: إنها مستعدة لإطلاعه على الحقيقة على شرط أن يعادلها على الكتمان فالأمر سر عظيم؛ وقالت:(لقد اشترى زوجي هذه الآنية بسبعة فرنكات وهي الآن تساوي مائة ألف فرنك كما قرر ذلك أحد الهواة) قال الطبيب: (أظنك يا سيدتي تمزحين، فإن هذه الآنية لا تساوي شيئاً وأكثر العائلات تملك نظائرها) فقالت: (أو بمثل هذه البهجة في اللون؟ وهل تحدث مثل هذا الرنين؟!)
فأضطرب الطبيب ودهش لثقتها بشيء لا وجود له، فلم يكن للآنية لون مبهج ولا لها أي رنين. ولم يشأ مجادلتها لاعتقاده أن مرضها هو (الجنون بالفكرة الواحدة) وأنها إذا عولجت فقد تشفى. وبناء على قرار الطبيب نقلها أقاربها إلى مستشفى الأمراض العقلية، فدخلته راضية ومعها الآنية؛ ولم يهمها هذا الانتقال ما دامت معها هذه الثروة العظيمة، ولم يضن أهلها عليها بها ولكنها انتقاماً منهم لكيلا يرثوها أوصت بها لمتحف (اللوفر)
ومن يدري كم بالمتاحف من أمثال هذا الأثر؟ أليست الفنون كلها أسراراً؟