- كانت فرقة من الجيش البلجيكي تعسكر في غابة القرية حينما هاجمتها الطائرات وأشعلت فيها ناراً أمتد لهيبها إلى عنان السماء، فبدت القرية على وجهها هدفاً ممتازاً دكته الطائرات. . .
وضرب الفتى في الطريق إلى بروكسل تنوء بحمله ساقاه وتخذله قوته، فيسقط في الطريق
- أماه. . . انظري! إنه ضابط من فرق القناصة يحتضر
- ماء يا فلورندا من النبع الرقيب
ويفيق الفتى ليرى رأسه على حجر امرأة فيشكرها، وتعاونه الأم وابنتها على المسير إلى كوخهما القريب
- تفضل فاجلس على هذه الحشية فلم يعد لنا بيت ولا أثاث
وبدا على وجه الفتى آيات من الألم الممض والحزن العميق. ولما قدمت له فلورندا شيئاً من الحساء، أحس بالدفء والراحة واستطاع أن يتكلم. . .
وانتشرت نفس الأم عليه رقة ورحمة، وأحبته الفتاة في صمت. ولم يأبه بذلك الفتى، ولم يجد له فراغاً بقلبه المعذب المفؤود
وجمعتهم نكبتهم المشتركة في قريتهم وأعزائهم فكان جل حديثهم يدور حول دمار بلادهم. وتصعب معرفة من كان منهم أشد سخطاً على الألمان، ولكن الفتى كان أكثرهم جنوحاً للصمت والتفكير العميق
. . . ويوماً قال ألبير:
- ليست فلاحة الأرض صناعة ضباط القناصة ولا يليق بي وقد رزئ وطني باحتلال النازي أن أكون هنا
- فأين يجب أن تكون يا ألبير؟
- في العاصمة أو حولها ليشعر الألمان أننا لم نستكن لحكمهم، وأن في بلجيكا رجالاً
فأدركت الأم مرماه وقالت: إنك تلقى بنفسك في أوار الجحيم
قال: لأشارك أمي ميتتها وقريتي محنتها
وعبثاً حاولت الأم ثني عزمه. . .
أما الفتاة فقد بكت قائلة: