السلطان ومهما اشتد: أيها السلطان إنك حائد عن الحق ومنزلق إلى الباطل، والذي يقول للعقيدة مهما تغلغلت في النفوس وتأصلت في القلوب: أيتها العقيدة إنك فاسدة ترتكزين على مغالطة، فانهاري لأقيم مكانك في نفوس للناس عقيدة أخرى تقوم على أساس من الحق الصافي.
وهذا الأديب لا يصل إلى هذه الدرجة من قوة النفس إلا عن واحد من سبيلين. فإما أن يكون قد ولد من أبوين صادقين غربلا نفسيهما قبل أن ينتجاه، ونفيا عن روحيهما كل خدعة وكل أكذوبة، وركنا إلى الحق في إحساسهما وتفكيرهما ونزعاتهما، ولم يعودا يتأثرا بالهوى، ولم يعودا يظنان بأنه كان يصح أن يكون لهما أكثر مما لهما، وهذان أبوان لم يلتقيا. . . وإما أن يكون كبقية الناس قد ولد وقد ورث نواة الخطيئة الحادثة من تفاعل الغرور عند أبيه والطمع عند أمه، وأن يكون قد انتبه إلى هذا على أثر حادثة من الحوادث، فبدأ بأخذ نفسه بمراقبة الحق وتحريه والقصد إليه حتى تنفتح نفسه للحق انفتاحاً فيحبها الحق كما تحبه وينزل فيها كما تنزع إليه، وليست نفس الإنسان إلا حقاً من الحق إذا صفت وانغلقت دون الغرور والطمع نمت خالصة واستدعت من الحق حقاً وحقاً، وكلما أحاطت بحق مثلته فصار منها، وكلما كبر ما فيها من الحق وزاد، اشتدت قوتها على استدعاء الحق الذي غاب عنها، ولا تزال هكذا حتى يكون لها إذا أرادت أي حق أن يلبيها مهما كان نزاعاً إلى التستر.
والإنسان الذي يحاول هذه المحاولة ويعاني فيها هذا العناء، ليس له قصد إلا هذا الحق المجرد، فهو إذا وصل إليه مجذوباً، حدث بينه وبين الحق تصادم هو عناق اللقيا، وكان لهذا التصادم صوت هو قبلة الشوق، وهي من الأديب كلام، ومن سواه فنون أخرى. . .
وقد تعجز أي قوة في الأرض عن أن تحول بين الأديب المجذوب المسحوب من لسانه وبين كلمة الحق يفرقعها رنانة مدوية كما يفرقع العاشق المجنون قبلة التحرق إذا التقى بحبيبه.
وكما أن العاشق المجنون يظل يسعى، ويظل يصبر الزمن الطويل حتى يلتقي بحبيبه بعد أن يكون قد داخ في البحث عنه، وفي الصبر عنه، وفي الشوق إليه، فإن الأديب المجذوب هو أيضاً يظل يسعى، ويظل يصبر الزمن الطويل وهو مملوء شوقاً إلى حق يعلل به حقاً،