أن إدراكاته تختلف في كثير من الأحيان عن إدراكات الضمير الاجتماعي في أنها أرهف وأبعد وأدق وآصل. ذاك يقاس بفضائل خارجة عن النفس فرضت عليها فرضاً، فأصبحت كأنها جزء منها؛ ولكن مدركات الضمير الفردي من جمال وبرّ وصلاح خلقت مع الإنسان منذ الأزل، إلا أنها مطموسة بالمادة. فبذرة هذا الضمير الفردي في كل نفس، فإذا زاولها الفرد بالرياضة العنيفة، وتعهدها بالصقل والتهذيب والتجريد، فجلى عنها الأصداء، وأزال كل ما علق بها من أقذار المادة، نمت وازدهرت وجاءت بثمار روحية سامية، واستطاعت إذ ذاك التحليق في غير جوّ المرئيات الهيوليات. وبذا يصبح هذا الضمير الفردي المطلق بمثابة ذوق مهذب راق، تقاس به الأعمال والأطوار، ويدرك بالفطرة السامية والضمير الإلهي ما هو خير وما هو شرْ. وصاحب هذا الضمير فوق أصحاب الضمير الاجتماعي أو الإحساس التقليدي المزيف، فهو يعرف الله مباشرة، ولكن أولئك لا يعرفونه إلا بالواسطة.