وحقاً إن شخصية (فضل الله باشا) هذه تقدم لنا صورة من التقلقل والضعف اللذين لقحت بهما إنسانيتنا، واللذين يبدوان حتى في أتفه الأمور.
وهناك ظاهرات نفسية صادقة وطريفة تتصيدها العين الفاحصة في بعض شخصيات المسرحية. ولعل أعجبها ما يبدر من شخصية (بديع بك) صهر الباشا. هذا المتزمت المقنع يقع في تناقض عجيب حينما تندفع رغبته المكبوتة في مشاهدة الموكب وذلك بمجرد أن يرى والد زوجته يبارح البيت فلا يبالي أن يترك بدوره المنزل مخلفاً وراءه زوجته على أن تلحق به منفردة وبغير دليل وحارس لتخوض أمواجاً بشرية من الرجال المتدافعين بالمناكب!
هذه كلمتي الأخيرة عن كتاب (ثلاث مسرحيات في فصل واحد) لمحمود تيمور قصرتها على معالجة الناحية النفسية والإنسانية في أبطال هذه المسرحيات، وذلك باعتبار أنها الناحية الثابتة التي لا تتغير من الحقائق التي ضمنتها هذه المسرحيات، وأنها أجدر هذه الحقائق بالشرح والتبصرة، وأولاها باهتمام الناقد وبحكمه عليها من ناحية صدقها ومن ناحية مبلغ توفيق المؤلف في معالجتها. وقد أجريت قلمي في هذا بغير قليل من الإسهاب إرادة البيان والتبيين.
ولاشك في أن (تيمور) توخى فيما توخاه من كتابة مسرحياته هذه، أن يقربنا بعض الشيء مما تنغلق عليه نفوسنا تارة وتنفتح عنه أخرى، وهذا من صميم الأدب والفن، لأن الأدب الحق هو ما قرب الإنسان إلى معرفة نفسه.