السنين. ففكر - إن لم تكن - واحكم وصف. أما أنا فقد فكرت وحكمت وليس من شأني اليوم ولا مقصوداً لي أن أصف، أما الذي هو من شأني اليوم ومقصود لي فهو أن أكتب هذا الفصل (للرسالة) عن: (فكرة الإصلاح) في الأزهر. ما هي. . .؟
فلنسلم جدلا أو اقتناعاً بأن الأزهر له فكرة إصلاحية. وبأن الكلام عن الإصلاح التعليمي في الأزهر وعن الإصلاح الخلقي فيه. والكلام عن إصلاح الحياة الدينية في مصر ليس مقصوداً بهما الدعاية ولا التظاهر ولا عرض من متاع الحياة أو جاهها، وليس لصوقاً بوصف معين فيه ربح أو فيه متاع لنفس أو إرضاء لشهوة
فلنسلم جدلا أو اقتناعاً بأن للأزهر فكرة الإصلاحية لتجديد الحياة العقلية والحياة التعليمية والحياة الخلقية بين أهله، وأن للأزهر فكرة إصلاحية لتجديد الحياة الدينية في مصر أو في الشرق. . . فما هي هذه الفكرة الإصلاحية التي وضع الأزهر أو وضع رجاله حدودها ورسموا معالمها وخطوطها وحددوا أهدافها القريبة أو البعيدة. . .؟
وهل استبان الأزهر واتضحت له الطريق التي يسلكها إلى أهدافه القريبة أو البعيدة، حتى يأخذ بأسبابها ويتلمس نهجها ويعرف أين هو مما كان وأين هو مما يريد أن يكون؟
نحن نعرف أن الأزهر - في هذه السنين الكثيرة العدد - قد وسع على طلبته في منهج الدراسة للعلوم الحديثة، وأنشأ لهم المعامل للكيمياء، ورحلهم الرحلات، وأنه أنشأ لهم الكليات خمساً أو ثلاثاً ولوى ألسنتهم أو ألسنة بعضهم بلغات الإنجليز والفرنسيين والألمان. بل - والله قادر علمهم أو مكن لهم أن يتعلموا لغات أهل الصين واليابانيين والفرس والترك إلى ما لست أدري من لغات أهل الأرض، وأنه أخرج طلبة العلم فيه من قباتهم القديمة والجديدة، ومن صحن أزهرهم وأروقتهم إلى حيث يجلسون على الكراسي في عمائر جديدة في سفح الجبل بين مقابر الموتى، وفي أحياء متباينة متباعدة في القاهرة بين مقابر الأحياء
ونحن نعرف أن الأزهر - في هذه السنين الكثيرة العدد - قد قدم إلى طلبته المذكرات والملخصات والمختصرات، واستعان عليهم بطائفة من الأساتذة في دار العلوم ومن المطربشين في مدارس الحكومة، وأنه حفظ لأهله كرامة المال أو بعض كرامته فزاد لهم في الأموال وضخم لهم الميزانية عاماً بعد عام