أيضا ما يمنع العرض على العقل المميز. وأما المانع في الحالتين فهو الضمير الذي يقوم بالمحافظة على تقاليد المجتمع وواجباته من جهة، وبالمحافظة على الدين وتعاليمه من جهة أخرى
والفكرة الذاتية التي لم تتمكن من الوصول إلى العقل الظاهر تبقى في العقل الباطن كوحدة قائمة بذاتها. ذلك لأن الضمير طردها من الجهات الرئيسية من العقل، فلا هي نفذت كما يريد العقل الباطن ولا هي نوقشت حتى يتضح له فسادها فيتركها، وهذا هو السر في تشبث العقل الباطن بالأفكار التي لا يوافق عليها الضمير الديني أو الاجتماعي أو الأخلاقي وفي عمله على تنفيذها بأي شكل كان، ولما كان ذلك التنفيذ محالا بفعل الضمير فان العقل الباطن يتخيل تحقيق هذه الفكرة المحرمة عليه، وهذا التخيل يسبب في كثير من الأحوال حركات جسمانية أو ألفاظاً تنم عليه. والحركات والألفاظ ليست إلا نتيجة تخيل تحقيق فكرة مكبوتة في العقل الباطن، وعلاقة هذه الحركات والألفاظ بالفكرة هي علاقة الصورة أو الخيال الذي يستمد وجوده من وجود جسم آخر قد لا يكون ظاهرا للعيان. وهكذا نرى أن الفكرة الذاتية نفسها وهي التي سببت الحركات والألفاظ لم تتمكن من الوصول إلى الشعور أو التمييز، أي إن الإنسان لا يدري عنها شيئاً مطلقا
ولتسهيل فهم علاقة أقسام العقل الثلاثة ببعضها نشبهها بثلاث غرف متصلة مع بعضها ببابين، وأمام كل باب حاجب يصرح أو لا يصرح بالدخول، وإذا عرفنا أن الحاجب قد يتجاوز مهمته بان يمنع من الدخول من يجب أن يدخل، فإننا نجد أن الضمير قد يغالي في منع مرور الأفكار الذاتية من قسم عقلي إلى القسم الأعلى المجاور له فتبقى الفكرة الذاتية كما قدمنا مصدراً لحركات وألفاظ وعواطف قد تأخذ صفة أعراض الأمراض العصبية، على حين أنه لو سمح لها بالمرور لعرفها العقل الظاهر ولناقشها العقل المميز وبث فيها على أساس سليم فتصبح غير قادرة على إيجاد ما كانت تسببه
على أن هذه الحركات والألفاظ لا يمكن لها الحدوث إلا في غياب التمييز، لأن هذا الأخير كثيراً ما يترك القيادة الفعلية في الإنسان إلى العقل الظاهر، وهذا بدوره كثيراً ما يتأثر في تصرفاته برغبات العقل الباطن وأفكاره، ويكون العقل الباطن إذن هو القائد الأعلى في غياب التمييز أو في حالة ضعفه لسبب ما، ولما كانت الأفكار الذاتية هي من عمل العقل