للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الباطن، ولما كان هذا الأخير محدود التمييز فهو عرضة للخطأ في تقديره لحقيقة الامور، وينتج من ذلك أنه كثيراً ما تكون الأفكار الذاتية مخطئة، ولما كانت هذه الأفكار هي التي تقود الإنسان غالباً - في غياب التمييز - فانه من الجلي أن يكون الإنسان العادي عرضة للخطأ في كثير من تصرفاته، وأن يكون الإنسان العصبي عرضة لأن يسبب لنفسه ولمن حوله شتى المتاعب

وإذا كان العقل الباطن محدود التمييز لانه لا يأبه بالحقائق فانه غزير الخيال واسع الحيلة في هذا الباب. ولك خيال عنده حقيقة وإن خالف الواقع، وهذا ما حدا بفرويد أن يقول بان هناك حقيقتين: الحقيقة الواقعية والحقيقة النفسية، وإذا كان الإنسان العادي يعيش في الحقيقة الواقعية فان الإنسان العصبي يعيش في الحقيقة النفسية - أي فيما يصور له الخيال، وهناك أمر آخر يقوم به العقل الباطن، وهو تسجيل الأفكار والتجارب والمعلومات على قواعد الاصطحاب والقرينة أي أن الأشياء المماثلة أو المخالفة لبعضها مسجلة مع بعضها أو بالقرب من بعضها

وتبدأ الأفكار الذاتية والاصطحاب في الظهور عند الإنسان من يوم ولادته، فالجوع يسبب الرغبة في الأكل، والوالدة تطعم طفلها، وهكذا تنشأ فكرة عند الطفل بأنه في حاجة إلى شخص آخر يمده بما يشبع جوعه، ويتعود الطفل سماع صوت معين ورؤية شخص معين يطعمه ويسهر عليه ويسبب له الشعور بالراحة والسرور والاكتفاء، فيصحب ذلك الصوت المعين وهذا الشخص المعين بالسرور والاكتفاء، وهكذا ينشأ الاصطحاب عند الطفل، وهذا يفسر خوف الطفل وبكاءه عند شعوره بانفراده، واطمئنانه وسروره عند رؤيته لوالدته أو عند سماعه صوتها

وإذا عرفنا أن حواس الجسم خلقت لتحمي وجوده، وعرفنا ان العقل هو القائد المدبر لهذه الحماية، وانه من اجل ذلك يسجل عنده الحوادث الماضية كتجارب يستنير بها في أي موقف من مواقفه، وان هذه التجارب وان لم يذكرها الإنسان مسجلة في الجزء اللاشعوري من عقله، مهما طال عليها القدم. إننا إذا عرفنا ذلك أمكن لنا أن نفهم ما قد يبدو لنا غريباً، فقد يسيء إلينا في طفولتنا بعض أشخاص ذوي خلقة معينة، وقد ننسى هؤلاء الأشخاص بالذات ولكننا لا ننسى ان نقابل اي شخص يماثلهم في الخلقة بالكراهية، ذلك لاصطحاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>