ومذاهبهم، وأن هذا التباين نعمة لا نقمة لأنه يكفل نظام البقاء ويمنع الاستبداد بالحياة والشهرة واحتكارهما واغتصاب العظمة وما إليها
ولاشك أن الذوق الأدبي قد ارتفع مستواه في مصر، ولكن مصر يعوزها ذلك الجمهور المستنير الذي يزين بلاد الغرب، وبعبارة أدق وأبين أن أكبر نقص يعتور حياتنا الاجتماعية هو عدم وجود نخبة وافية من رجال العلم والأدب والسياسة وهو ما يسمى هذا فيما يتعلق بالقمة، أما فيما يتعلق بالقاعدة فيلاحظ عدم وجود طبقة متوسطة. وكل حياة سياسية أو أدبية لا تستند إلى هذه النخبة وإلى تلك الطبقة، فهي حياة مختلة التوازن
فعدم وجود النخبة الكثيرة العدد مثلاً يفسح للمجال أولاً للتحاسد والنزاع بين الأفراد بعضهم وبعض في دائرتهم الضيقة المحدودة، ويفسح للأدعياء طريق التسلل في قطرهم وقلب المقاييس والأوضاع
وكلنا نذكر أن زعيماً كبيراً مرض ذات يوم، وكان مرضه مرض موت، فهرع إليه من الأطباء الحابل والنابل والصغير والكبير. . . وكانت دقة الحالة تستدعي بالطبع أن لا يذهب إليه إلا الراسخ في صناعته المقدم على أهلها، وأن يتنحى الصغير للكبير عن مكانه دون النظر إلى رتبة يحملها أو لون سياسي يتباهى به. وسبب هذه الفوضى هو كما قلنا عدم وجود نخبة وافية من الأطباء تؤلف كتلة متزنة في نظامها
وهذه الفوضى نشاهدها في الأدب كما نشاهدها في الطب ونشاهدها في جميع أنواع الحياة العامة في مصر. والعجيب أن الأدعياء يجدون صحفاً ومجلات تنشر لهم. والأدعياء في مصر فريقان: فريق المتأدبين الأغبياء الذين يحاولون الوصول بكل الوسائل ظناً منهم أن مجرد الحصول على (شهادة) أو مجرد تأليف كتاب أو ألف كتاب يكفي لاكتسابهم صفة الأدباء. وفريق الأدباء الذين وصلوا بطرق ملتوية إلى الشهرة واغتصبوها اغتصاباً، فألئك يزعجهم ويقض مضاجعهم أن يتنفس أو يتكلم كل أديب صادق النسب، فهم لا يفتأون يتقلقلون ويتململون وراء ابتسامتهم الصفراء
فالأديب في مصر لا يجد عوناً من أهل صناعته، ولا يجد عوناً من الجمهور، لأن الطبقة المستنيرة لا تعد إلا بالمئات في حين أنها في البلاد الغربية تعد بمئات الآلاف. . . بل ولا يجد عوناً من أصحاب المكاتب والناشرين، فأكثر الأخيرين أميون أو شبه أميين لا يهمهم