للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابتسمت لكلام هذا الشاب المتحمس، فأخذته من يده فمشى معي. فلما دخلنا المصعد الذي سيرتفع بنا إلى الدور العاشر من البناء قال: أنت مصر على الجلوس في النادي وكر الكهول والشيوخ من أرباب المال؟ حسن، سأجلس معك في هذا النادي المرتفع عن الناس، ولأقص عليك قصة من صميم الواقع، وأنا قمين بأنك ستشهد لي ببراعة الارتجال، وبأن القصة هي القصة، أعني أن العقدة والحبكة، والفكرة والوحدة، إن هي إلا افتعالات، أما إذا كانت شيئاً غير ذلك فستدلني عليه.

ابتسمت أيضاً لهذا الإدعاء الجديد الذي يمثل ادعاءات الشبان وهم يتوهمون الأمور وفق أمزجتهم الرخوة لا وفق الواجب في معرفة الأصول، وقلت لصاحبي بعد أن انتحينا ناحية في النادي مردانة بأصص من الزرع دائمة النظارة الربيعية، يحسن أن تجلس هنا فتقص علي قصة شعرية يرتجلها خيالك الخصب وتنزعها من صميم الواقع كما قلت.

أرجو ألا تهزأ بي. استمع إلي:

(وضعت حقائبي في المكان المعد لها، وجلست على المقعد الذي احتجزته في عربة القطار، ثم التفت لأرى رفاق الطريق الذي سأقطعه بمرحلة واحدة من مرسيليا إلى باريس، فلقيت سيدة تتألق نضارة وشباباً، وضاحة المحيا بادية الفتنة وسمعتها تقول للرجل الجالس إلى جانبي: ألم أقل لك إنه غير فرنسي، إذ لو كان فرنسياً لكان حيانا بإشارة بسيطة ساعة دخوله، ولما كان ألهاه المودعون ولا المشاغل الذهنية عن أداء التحية الواجبة)

وسمعته يقول لها: لم لا تقيمين للتقاليد والعادات اعتباراً؟

لماذا تفرضين على غير الفرنسيين الأخذ بعاداتكم وتقاليدكم، وقد تكون هذه التقاليد التي ترينها حميدة عندكم مستهجنة عند بعض الأقوام، وربما كانت مستقبحة عند أقوام آخرين أمثال الإنجليز مثلاً الذين يحيون من لا يعرفون مهما كانت الظروف والمناسبات. فهمت من لهجة الرجل ومن قسمات وجهه ولون بشرته أنه أميركي يحسن التعبير عن خواطره باللغة الفرنسية وكان يلفظها صحيحة ولكن ببطء ممض أوجع نفس السيدة الفرنسية الجياشة،

وأدركت أن مدار الحديث يدور حولي لأني أخذت مكاني في عربة القطار ولم أحي من فيها ساعة دخولي!

<<  <  ج:
ص:  >  >>