هذا يشهد للحق المهيض الجناح. وجاء قلم الأستاذ الزعيتري العادل ينقل تلك الشهادة لأبناء قومه بقلمه الساحر، وأسلوبه الغض الناضر، فإذا هو تحفة من التحف، التي تستحق أن تقتنى بثقلها ذهباً! لا أقول هذا مبالغة، ولا أقوله إفراطاً مني في تقدير مجهود الأستاذ العادل، فأنا والله لا أعرف الرجل ولكني مجل لفضله، محترم له لما خدم به قومه. فإذا قلت إن الكتاب يستحق أن يقتنى ولو بثقله ذهباً فما ذلك منى من الإفراط في شيء، فلقد كان عظماء العرب قبل اليوم يكافئون الشاعر المجيد بأن يملئوا فمه جوهراً فأين أحلام الشعراء الذين يتبعهم الغاوون من الحقائق الملموسة التي توقظ في النفس أنبل ذكرياتها؟!
ولو لم يكن الغرض من نشر هذا الكتاب باللغة المبينة أن يطلع عليه أعظم عدد ممكن من الناطقين بالضاد لقلت إن ثمته نزر يسير. أما والغاية من نشره تعميمه فأقترح أن تتولى إحدى الهيئات الوطنية شراء هذا الكتاب وتخفيض ثمنه إلى أقصى حد ممكن، حتى لا يظل بيت خالياً من نسخة منه لأنه من حق الرجل الذي أنصف العرب - يوم كان الإنصاف جريمة - من حقه أن ينشر كتابه أعظم نشر، ومن حق المترجم الذي جعل الحقائق التاريخية الجافة - بما أضفى عليها من بيانه العذب - أنغاماً عذبة أن يروج كتابه أوسع رواج جزاء لجهوده الموفقة.
فالكتاب في جملته وتفصيله لا غنى للأديب، ولا للكاتب، ولا للناشئ عنه، وهو خير تحفة لأنه شهادة من عالم كبير يكاد قومه ينكرون على العرب كل فضيلة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان في الاطلاع على التمدن الإسلامي للمرحوم جرجي زيدان ما يغنى عن هذا الكتاب، ولكن أين شهادتنا لأنفسنا من شهادة الأجنبي لنا؟!
هذا ولئلا يكون كلامي مقصوراً على ناحية الجمال في هذا الكتاب أرجو من الأستاذ الزعيتري النابه أن يقبل بعض الملاحظات التي تتعلق بألفاظ جرى فيها قلمه على طريقة المعاصرين من أبناء هذه اللغة الشريفة، فجاءت بالنسبة إلى أسلوبه النضر كأنما هي الكلف في وجه الغادة الحسناء، فمن ذلك قوله: الخطأ: البطرا. الصواب: بطرا ليس غير. أذكر أن العلامة المرحوم أحمد زكي باشا طلب مني في كتابه المخطوط إلي في سنة ١٩٣٤ أن أحقق هذه النقطة، فوجدت أن في شرق الأردن مواقع عدة خلط بينها الكتاب والمؤرخون خلطاً شنيعاً.