للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الساحة فتيات نواهد نواضح الأجساد، قد حسرن ورحن يلعبن ويمشين وهن بالثياب الحريرية الزاهية، شعورهن مهدلات على الأكتاف، والسواعد عاريات والسيقان، فأحسست كأنما قد صب علي دلو من الماء الحامي، فاحترقت منه أعصابي، فاستدرت راجعاً ونفضت يدي من الوظيفة، وقلت: الرزق على الله!

وقصدت بيتي فما وسعني والله البيت، ووسوس إلى (لا أكتمك) الشيطان، وزين لي تلك المتعة بمعاشرة أولئك الفتيات، والحياة بينهن، فاستعذت بالله، وأعرضت عنه، وذهبت أفتش عن عمل غير هذا، فسدت في وجهي الأبواب إلا هذا الباب، ولاحقتني الوزارة وإدارة المدرسة حتى عدت مكرهاً. .

وأنا رجل رضت نفسي على العفاف، وأخذتها بضروب الرياضات حتى سكنت شرتها، ولكنها مع ذلك كانت تثور بي كلما سبقت عيني وأنا غافل إلى فتاة في الشارع كاشفة، أو سمعت أذني حديثاً من أحاديث الشبان سقط إلي وأنا لا أطلبه، أو قرأت (وقلما أقرأ) قصة خليعة، أو نظرت (ونادر أن أنظر) مجلة من هذه المجلات الداعرة الخبيثة وما المرأة التي يفتش عنها الشبان ويتحدثون عنها إلا هذه النصف التي تصلح ما أبلى منها الدهر بالثياب والأصباغ وما عند العطار، والتي تقاذفتها الأيدي حتى صارت كالغصن الذاوي وكالثوب الخلق، فما بالك بشاب كتب عليه أن يعاشر النهار كله فتيات كزهرة الفل، أو كالغلالة الجديدة، لم تمسسهن يد بشر، ولم يعرفن من تجارب الحياة ما يتقين به شباكها، ويطلب منه أن يكون عفيفاً شريفاً، وأن يكن هن أيضاً عفيفات شريفات، وله في نفوسهن مثل الذي لهن في نفسه؟

يا أستاذ! إن الخطر أشد مما تتوهمون أنتم معشر الكتاب المعتزلين في بيوتهم أو في أبراجهم العاجية، كما يقولون عن أنفسهم، الخطر أشد بكثير. . شباب وشابات، يصبي كلاً منهما أن يشم ريح الآخر من مسيرة فرسخ، يجتمعون على دروس الأدب وقراءة أشعار الغزل. . تصور (يا أستاذ) المدرس يلقي على طالباته حديث ولادة وأبن زيدون، وأنها كتبت كما رووا (كذباً أو صدقاً) على حاشية ثوبها:

أمكن عاشقي من صحن خدي ... وأمنح قبلتي من يشتهيها

ويمضي يشرح لهن ذلك ويفسر لهن. . حالة فظيعة جداً يا أستاذ. . . ولو كن كبيرات

<<  <  ج:
ص:  >  >>