ثم لما عزل الخديو، وتولى ولده محمد توفيق باشا، شغف أيضاً بالمترجم واحله محله من القبول. حتى كانت الفتنة العرابية وسفر الخديوي إلى الإسكندرية، فانضم المترجم إلى العرابيين اضطرارا أو اختيارا، فلما عاد بعد الفتنة لم يؤاخذه، وصفح عنه، وقابله المترجم بقصيدة مطلعها.
كل حالٍ لضده يتحوّل ... فالزم الصبر إذ عليه المعوّل
تبرأ فيها من الفتنة، وأبان عذره في الانضمام إلى العرابيين، فإنه كان إذا سافر إليه كل أسبوعين، ركب من هنا سفينة بحلوان، فانه كان إذا سافر إليه كل أسبوعين، ركب من هنا سفينة بخارية وذهب بها إلى ضيعة المترجم التي بشرق اطفيح، فيقيم عنده يوما ويتغدى فيها، وهو شيء لا يفعله مع غيره. ولهذا السبب اعتنى المترجم بتلك الضيعة، فغرس فيها البساتين والكروم، وبنى قصرا صغيرا لنزول الخديو، وحرمه وحاشيته، ولم يزل هذا شأنه معه حتى مات الخديوي، فلم يكن له حظ مع ولده عباس باشا، كما كان مع أبيه وجده، فجعل أكثر إقامته بتلك الضيعة، يشتغل باستغلالها ومطالعة كتبه، فإذا حضر لمصر نزل بداره التي بجهة باب اللوق، فيقيم بها أياما. ثم يعود، ولم يزل كذلك حتى اعتلت صحته وطال مرضه اشهرا، حتى توفاه الله إلى رحمته في يوم السبت ١٠ شعبان سنة ١٣١٣ عن سن عالية، وقد شبع من الأيام وشبعت منه، ونال من العز والجاه إلى مماته ما لم ينله غيره.
وكان رحمه اله أية في حسن المجالسة، محببا إلى القلوب، أديبا شاعرا، حاضر الجواب، فكه الحديث، إذا عرفه إنسان تعلق به، وكره مفارقته، مع انه كان دميم الصورة، اطلس، ليس في وجهه إلا شارب خفيف، وشعرات على ذقنه. ولما حضر لمصر السلطان برغش ملك زنجبار، فلازمه مدة مقامه بالقاهرة، واعجب السلطان به إعجابا شديدا. ثم لما عاد لبلاده. صار يتعهده بالرسائل والهدايا من العنبر ونحوه كل سنة، فيهدي هو بها أخصاءه وأصحابه وكذلك ما كان ينتج ببساتينه من غرائب الفاكهة، وأصناف الأعناب النادرة، كان موقوفا جميعه على الهدايا لا يبيع منه شيئاً. واقتنى خزانة كتب نفسية اجتمعت لها بالإهداء والشراء، والاستنساخ وغالي فيها، وبذل الأثمان العالية، فجلبت له من الأفاق وعرفه نجار الكتب والوراقون فحصوه بكل نفيس منها. ثم لما مات اقتسمها ورثته، وبقيت إلى الآن