وعدم الورع فيما يأتون وما يذرون، وهم ولا ريب يؤيدون، سياسة بريطانيا وأمريكا في فرض سلطان القوة وسلطان المال على هذه البقعة من الأرض المقدسة، وعلى كل مكان آخر يحيط بها من قريب أو بعيد.
وأما شرق الأردن، فقد كفتنا المعاهدة التي عقدت بينه وبين بريطانيا أن نقول فيه قولا يصفه بأفضل مما وصفته هذه المعاهدة، وهو أنه أرض بريطانية في قلب البلاد العربية.
وأما جزيرة العرب، فقد تدفق عليها سلطان بريطانيا وأمريكا من كل مكان، لأنه فرض أن آبار البترول تكاد تكون حقاً خالصاً لهما، يدفعان في سبيل أخذه مالا قليلا زهيداً، ثم ينقلانه إلى بلادهما ليكون ذخيرة من ذخائر القوة التي تحرك الآلات، وتنتج المصنوعات وتمد أمريكا وبريطانيا بكل أسباب القوة والغلبة في هذه الدنيا الجديدة التي لاحظ فيها إلا للقوي الغاضب. واستقلال جزيرة العرب أصبح اليوم مهدداً بتغلغل نفوذ ملوك البترول الذين يخدمون ولاشك سياسة بلادهم على أي وجه كانت هذه السياسة.
وأما اليمن فلبريطانيا هناك بعض السلطان، ويخشى بعد قليل أن يتدسس إليه سلطان أمريكا أيضاً وتصبح اليمن مضطرة إلى الخضوع لما خضعت له جاراتها العربية من سلطان هؤلاء الأقوياء.
وأما مصر والسودان، فمن الذي يجهل سلطان بريطانيا في أحد شقيه، وهو مصر، إنه سلطان قد ظلت السياسة البريطانية تمهد له منذ ستين عاماً بكل أسلوب من أساليبها في اتخاذ الصنائع، وإضعاف الأخلاق، وابتزاز الأموال، وفتح أبواب الهجرة لصعاليك الأمم، وقذف الأرض بكل سخافة من سخافات المدنية، وحجبها عن كل جد وكل عمل يراد به خير هذه البلاد. وأما السودان، فلم يزالوا به حتى كادوا ينتزعونه جملة واحدة، وحتى قسموه إلى جنوب وشمال، وحتى حرموا على أهل الشمال أن يخالطوا أهل الجنوب، وحتى حرموا على أبنائه أن ينالوا قسطهم من العلم والحرية والتجربة في هذه الدنيا المملوءة بالعلم والحرية والتجربة.
وأما برقة وطرابلس فقد انتهت بها الحرب إلى أن صارتا تحت سلطان بريطانيا المباشر، ولا يدري أحد ماذا يجري فيهما هناك الآن على وجه التحقيق، ولكنهما على كل حال تحت سلطان بريطانيا وشريكتها أمريكا.