وأما تونس والجزائر ومراكش فهي أسوا بلاد العربية كلها حالا بوقوعها تحت سلطان فرنسا. وفرنسا هذه أمة أهل جبروت وحماقة وجهل، فهي تتخذ العسف وتصطنع القسوة في كل عمل تعمله في تلك البلاد. ولكن ليس يدري على وجه التحقيق ما الذي تضمره بريطانيا وأمريكا لفرنسا وحكمها في تلك البلاد. أنريد حقاً أن تؤازر فرنسا مرة أخرى على استعادة بعض مجدها وسلطانها في هذه الدنيا، وبذلك يزداد طغيانها وبغيها على أهل تونس ومراكش والجزائر؟ أم تراهما يريدان أن يحتالا حتى يزيلا فرنسا عن تلك البلاد ليفرضا معاً عليها سلطاناً بريطانياً أمريكياً - إما متعاونتين وإما منفصلتين؟ ومهما يمكن من شيء فالذي فيه هذه البلاد اليوم، أو الذي يخشى أن يقع عليها غداً هو أن السلطان الأجنبي هو السائد فيها قوة واقتداراً.
فأنت ترى غير مرتاب أن هذه الأمة العربية التي تعيش في كل هذه البلاد العربية، قد أصبحت هدفاً لأطماع دولتين متحدتين في أغراضهما وأهدافهما: هما بريطانيا وأمريكا. فهل يشك في هذه الحقيقة أحد؟ كلا ولا ريب، وإذن فنحن أمة واحدة مقسمة اليوم إلى أمم متعددة تواجه في الميدان جبهة واحدة لها أغراض لا تختلف ولا تفترق. وهذه الجبهة الوحدة لم تزل تتعاون بأسلوب بعد أسلوب في تنفيذ أغراضهما في كل بلد من بلادنا، وتتآزران على فرض سلطانهما مجتمعاً أو مفترقاً، وتتوسلان لي ذلك بالوسائل التي تتاح لكل منهما في كل بلد من هذه البلاد.
فالآن وقد تبين أننا أمة واحدة مقسمة إلى أمم، وأننا نلقى عدواً واحداً هو بريطانيا وأمريكا مجتمعتين يضربان بسلاحهما غدراً هنا وهناك وثمة بلا رحمة ولا شفقة ولا إنسانية، فقد أصبح لزاماً علينا وفرضاً لا مخلص لنا منه أن ننظر إلى الحقيقة الواحدة التي لا يختلف عليها إلا من نزع الله من قلبه البصيرة الهادية إلى سبل الرشاد، ألا وهي الاتحاد التام في لقاء هذا العدو.
ومنذ سنوات أجمعت طائفة من أمم العرب على تكوين الجامعة العربية، واشترطوا في الأمة التي تصير عضواً في هذه الجامعة أن تكون مستقلة. ومعنى ذلك هو الاستقلال المعترف به دولياً، لا الاستقلال الحقيقي، فإنهم لو طلبوا ذلك لما كان في الجامعة العربية عضو واحدة من هذه الأمم التي ذكرنا. فالجامعة العربية كما هي الآن لا تفي البتة بحاجة