التي طمرت فيها مدنيات سالفة لم تكن أقل منها شأناً ولا أضعف خطراً. وينبغي أن تعلم جامعة الدول العربية، أو الجامعة العربية، أن عملها ليس سياسة محضاً بل هو أيضاً حض وتحريض وبعث لهذا الجيل من الناس المعروف باسم العرب، حتى تتم يقظته وحتى يعرف أي شيء يستقبل وأي شيء يستدبر، ليرث هذه المدنية التي أوشكت أن تزول عن وجه هذه الأرض.
إنه قول جرئ، ولكنه حق ملء السمع والبصر، حق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلنأخذ أهبتنا قبل أن تأتي الساعة التي نضطر فيها إلى العجلة التي كان لنا عنها مندوحة، إن كل عربي قد فرض عليه واجب هو أقدس الواجبات في هذه الدنيا - ألا وهو الأمانة التي يرث بها الأرض ويكون فيها خليفة يصلح فيها ولا يفسد ولا يسفك الدماء ولا يأكل حقوق الناس بالبغي والعدوان. والجامعة العربية إذا بنيت على هذا الأصل وقامت على هذه الفكرة، فقد أدت للبشرية أكبر خير أدى إليها على وجه الدهر، وقد استنقذت حضارة الإنسان من الهلاك المحقق على يد الجنس الأوربي، بل لعلها لم توجد في هذا الوقت من هذا العصر إلا لتؤدي هذه المهمة وحدها بعد أن تجمع شمل العرب وتقف بهم وصفاً واحداً يقاتل طغيان عدوها المستبد الذي يلقاها بسلطانه الجائر، ويقاتل أيضاً ذلك السلطان الذي انفجر من ملتقى القارتين، أوربة وآسية، لكي يكون دماراً لنفسه وللحضارة الأوربية الفاسدة الضحلة.
ونحن العرب - فيما أرجو - لن نباع منذ اليوم في سوق الرقيق التي يسمونها (هيئة الأمم المتحدة)، فقد عرفنا بالتجربة كيف فعلت هذه الهيئة في مسألة فلسطين وسواها من عربدة القوى الذي أطارت صوابه نشوة السلطان المسكر.