واشتعلت النار في ثياب ذلك المسكين، وأيقن الناس أنه هالك لا محالة، وكلهم ينظرون وكأنهم لا يرون شيئاً، حتى أقبل كهل مقبع ليس من بنى جلدتنا وليس له مثل مروءتنا فخلع معطفه وكان والله جديداً ثميناً وألقاه على الشاب المحترق وضرب عليه بكفيه فأطفأ النار، ثم خلص الشاب وأعانه حتى بلغ به الطوار وأجلسه ثم نادى زميلا له ممن يتقبعون وإن كان حاسر الرأس ليستدعى الإسعاف، ولبث يقلب البصر في بدن الشاب ويهدئ روعه ويسأله عما أصابه من حروق ويهون عليه الأمر حتى جاءت عربة الإسعاف فحملته وهو يسأل ذلك الذي أنقذه عن اسمه وعنوانه ويلح عليه فلا يزيد على أن يبتسم له قائلا:(الحمد لله! مرسى يا حبيبي)،
وتناول الرجل معطفه ومضى مطرقاً هادئاً لا ينظر إلى ما أصاب المعطف من احتراق في أكثر من موضع، وكأنه لم يفل شيئاً، ونحن ينظر بعضنا في وجوه بعض نظرات حمدت الله أن كان فيها شئ من الخزي لم يغرق كل الغرق فيما كانت تقطر من بلادة.
ولم أمض غير بعيد حتى أبصرت عربة انزلق أحد جواديها في منعطف فخر وجذب الجواد الثاني حتى كاد يخنقه، ووثب الحوذي ينهض الجواد وحده فما يستطيع؛ فيستغيث الناس قائلا (يا هوه! يا مسلمين!) حتى جاءه بعد لأي رجلان فأعاناه مكرهين.
وقلت في نفسي إن الدابة في القرية تقع في الترعة، وإن النار تعلق بالدور فيقبل الشباب والكهول من كل صوب للنجدة لا ينتظرون دعاء ولا يحفلون أذى. أيكون مرد ذلك إلى أن أهل القرية يعرف بعضهم بعضاً؟ أم أن مرده إلى أنهم أهل نجدة لم تفسد المدنية فطرتهم؟ لست أدرى. ولكن ذلك المقبع ليس من أهل القرية، ولا هو من أهل هذه المدينة!