فقد اضطر أن يفضل سهل بن هرون على الجاحظ، واستباح لنفسه أن يرمي الجاحظ بالغفلة وسقوط الهمة، والنقص في أدوات الكتابة، ثم راح يشرح ويدلل على هذا النقص فقال:(وربما أنكر قولنا في شرط جميع أدوات الكتابة، فقيل: وأي أداة نقصت الجاحظ؟ فنقول: أول أدوات الكتابة العقل، ولا يكون كاتب غير عاقل، وقد نجد عالماً غير عاقل وجدلياً غير حصيف، وفقيهاً غير حليم، وقد وجدنا من ينسب العقل إلى سهل أكثر ممن ينسبه إلى الجاحظ. . . ولو شاهد الجاحظ سهلاً يخادع الرشيد ملكاً ويدبر له حرباً، ويعاني له إطفاء جمرة فتنة، ناهضاً في ذلك كله بعقله وتجربة علمه، لرأى أن تلك السياسة غير تسطير المقال، في صفة غراميل البغال، وغير الكلام في الجرذان، وبنات وردان، ولعلم أن بين المعلم والكاتب فرقاً).
وهذا كلام قد تعثر ابن شهيد في إيراده، فلا تجده ينهض من جهة إلا ليسقط من جهة أخرى، فالجاحظ أكتب كتاب العربية غير مدافع، وابن شهيد يقول إنه لا يوجد كاتب غير عاقل، فكيف إذن يرميه بالغفلة وقلة العقل، وكيف يقدم عليه سهلاً لبراعته في مخادعة الرشيد، وسياسة الأمور، وهذه ناحية لا تقتضي من العقل أكثر مما يقتضيه القول في صفة غراميل البغال، وبنات وردان؛ فإن براعة الكاتب إنما تظهر فيما تفه من الأمور. وهيهات أن تخرج العربية خدناً للجاحظ في هذه الناحية. . .