للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا رفع الستار نراه يتحادث مع ابنته (ريجينا) يحاورها ويراوغها، ونسمعه يفاوضها في بيع شرفها بالمال لحسابه الخاص، ويطلب منها أن تقدم جسدها طعمة سائغة لمن يدفع أغلى ثمن، فإن رأى منها الأعراض والتأبى، ذكرها بما يجب عليها من طاعته واكتساب رضاه. . . ولكن الابنة ترفض طلب أبيها في أباء وشمم، وتأبى أن تستسلم لإغرائه، فإذا حاول أن يثنيها عن عزمها ثارت في وجهه ونهرته ثم تطرده من المنزل الذي يقيم فيه، فهي تقيم في منزل ربيبتها مسز (الفنج) وهي امرأة واسعة الثراء اشتهرت بالغنى واليسار.

إن (ريجين) لا تملك قلبها الذي يريد منها أبوها أن تبيعه لدافع الثمن الأكبر، فقد وهبته من زمن (لاسوالد) ابن مسز (الفنج) صاحبة البيت الذي تربت فيه، فقد التقت به كثيراً كلما عاد إلى بيت والدته من غربته، فأحبته (ريجينا) ووهبته قلبها.

و (إسوالد) هذا وحيد أمه، ولكنها قد أبعدته منذ صغره عن البيت الذي تعيش فيه مع أبيه، فأثار هذا زوبعة من اللفظ والحديث بين أهل القرية، وخاض أهلها في كثير من التفسيرات المختلفة عن عدم حبها لابنها الوحيد، وقسوة قلبها وجمود عاطفتها.

وانه لولا ذلك لما أرسلت ابنها الوحيد إلى إيطاليا ليعيش هناك بعيداً عنها وعن أبيه.

والحق إن كل هذه التفسيرات لم يكن شيء منها صحيحاً، فلم تكن مسز (الفنج) قاسية القلب غريبة الأطوار، بل أنها كانت على عكس ذلك رقيقة القلب جياشة العواطف، حسنة التصرف، ولم يكن إبعادها لابنها ليتعلم فن الرسم كما كانت تقول هي لمن يسألها، ولا كرها له ولا قسوة عليه كما يقول الناس، وإنما الذي أوحى إليها هذا العمل، هو حبها لابنها وعطفها عليه، فقد أشفقت عليه أن يعيش مع أب شريد عربيد كالمستر (الفنج) الذي لا يفيق من سكره، وان أفاق فإنما ليبحث عن امرأة ساقطة يقضي الليل بين أحضانها، لقد أشفقت على ابنها ولم تشأ أن ينكب في أبيه كما نكبت هي، فعملت على أبعاده عن الجو المشبع برائحة الخمر والدعارة.

فكم قاست من شرور زوجها وآثامه وهي صابرة محتملة، فلم ترد أن يتحمل ابنها شيئاً مما لاقته فعملت على أبعاده، ونجحت في إنقاذه من شرور أبيه وتربيته بعيداً عنه؛ ولكنها لم تستطع أن تنقذه من الرذائل والعادات السيئة التي ورثها عن أبيه، فقد انتقلت الشرور والآثام من الأب إلى الابن في الدم كأنها أشباح سوداء في ليلة مظلمة. وكان من اثر هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>