نعود إلى حياة القصص التي رسمها الأستاذ يوسف جوهر فنراه قد التزم فيها الواقعية إلى أقصى حد لها فهو نقل لنا القصة التي قد تكون حدثت بالفعل أو القابلة للحدوث دون أن يدخل إليها مصادفة قصصية أو نهاية ذات عظة، أو غير ذلك مما سار عليه أغلب القصاص. ولعله ألزم نفسه بذلك حتى تكون المجموعة صوراً من الحياة حقاً بغير زيادة أو نقصان. فهو لم يعاقب المجرم على فعلته، وهو لم يجز المحسن على إحسانه، وإنما سير الحوادث في مجراها الدنيوي لا القصصي، فقصته الأولى يعاقب غي المجرم وفي الثانية لا يثاب المحسن وفي ديون رهيبة لا يفك العقدة. وهكذا وهكذا صور من الحياة يضعها لك على الورق بغير تنميق قصصي في الحوادث. ولست أدري أهذا خير أم لا. فالقصة اليوم تنحرف إلى عكس ذلك؛ فالجاني لابد له من عقاب والمحسن لابد له من ثواب. . هكذا نرى القصص العربية والغربية، ولكن يظهر أن الأستاذ يوسف جوهر قد بدا له أن يجعل القارئ هو نفسه الذي يعاقب المجرم فيحتقره، وهو نفسه الذي يكافئ المحسن فيكبره دون أن يحكم على أشخاصه. وفي المجموعة صرخات إلى القوم أن يثوبوا إلى رشدهم، فهو يهيب بالفلاح أن يطلب حقه، وبصاحب الأرض أن يخفف من عجرفته، ومن الغني أن ينظر إلى الفقير، ومن الفقير أن يطلب إلى الدولة أن ترعاه. . كل هذا دون أن يتكلم هو. بل أنه ليطلق الحوادث تتكلم في صراحة واضحة مبينة. وثمة صور نقلها دون أن يحيك حولها قصصاً ذات بداية وعقدة ونهاية. . وإنما هي صور التقطتها عدسته من أوساط القصص دون أن تغريها هذه الصورة أن تتبع هذه الخيوط إلى النهاية. . مثال ذلك (ديون رهيبة). وهناك أقصوصة لابد لي أن أذكرها معجباً بها كل الإعجاب، وهي (أربعة ذئاب ونعجة) وقد استطاع الأستاذ يوسف أن يرسم هؤلاء الذئاب أو الرجال رسماً قوياً صادقاً كل الصدق، وقد ربط ثلاثة من هؤلاء الرجال بواحد منهم كلاً بوشيجة تدل على نظرة دقيقة إلى الحياة. . إنها أقصوصة رائعة.
والمجموعة على غالبية الواقعية فيها لم تخل من الرمزية الطفيفة، أو هي في الحق لم تخل من الخيال، فأقصوصة (هذه هي الحرب) أخرج الأستاذ يوسف مصباحاً غازياً على كوبري قصر النيل. . . أخرجه يتكلم. . خيال ولكن المصباح لو تكلم لما قال غير الذي قال، ولا فعل غير الذي فعل لأنه مصباح منير مشرق النفس، تابع للميري غير محتاج إلى