يتوخى في حديثه الإفادة واللذة فسامعه لا ينفك راضي العقل ريان العاطفة.
وقصارى ما تقوله فيه أنه خلاصة الجيل الماضي بأسره، وتطبيق صحيح لمدرسة الأفغاني وعصره. وأوضح مظهر لهذا التطبيق كان في نزعته السياسية وطريقته الكتابية. ففي (الجريدة) نهج للناس سياسة مصرية خالصة لا تتصل بالدعوة
العثمانية ولا بالجامعة الاسلامية، وفي (الجريدة) ابتكر للكتاب أسلوباً لفظه قدر لمعناه، ووصفه طبق على موصوفه، وسبيله قصد إلى غايته. فكان مذهباً جديداً جرى عليه الصحفيون إلى اليوم وأصدق الأمثلة عليه أسلوب صاحب البلاغ.
ولطفي بك بارع في سلسلة الحديث سريع إلى اقتناص المناسبة فلا تخشى على الحديث في مجلسه أن يبوخ ولا على الصموت في محضره أن يحرج.
قال حينما استقر بنا الجلوس يعيد التحية ويفتتح السمر: أنا أقرأ ما تكتبونه في (الرسالة) بشوق ولذة. . . ويسرني ان الكتابة في مصر قد بلغت من الكمال الفني حد الاعجاب، فأصبحت للألفاظ دلالتها الدقيقة، وللأوصاف بيانها المقصود، أما الكتابة في (أيامنا) فكانت بالتقريب، فمعاني الكاتب تقريبية وألفاظها الدالة عليها تقريبية، والأثر الذي تتركه في نفس القارئ (إن كان مبهم أو تقريبي) فقال له أحدنا:
- ولكن سواد القراء يقرءون اليوم بالتقريب
- طبيعي! فالكاتب أيام كان يكتب بالتقريب كان القارئ لا يقرأ وإذا قرأ لا يفهم، فلما ارتقى الكاتب إلى التدقيق ارتقى القارئ إلى التقريب.
ولقد تصرف كتاب العصر في فنون الكتابة فعالجوا بها شتى الأغراض في براعة وحذق. ولذلك لا أوافق الدكتور طه على جعله النثر لسان العقل والشعر لسان العاطفة فان من النثر ما يكون شعراً.
ثم تشاجن الحديث وتشقق بعضه من بعض فتناول المويلحيين والخضري وشوقي وأبا النصر والأفغاني والطويل حتى أدى إلى علاقته بالشيخ محمد عبده فقال:
- تخرجت في مدرسة الحقوق وأنا في الثانية والعشرين من عمري فرغبت الأسرة في زواجي فأوعز أبي إلى أمي ان تكلمني في ذلك فأبيته، ولم يشأ والدي أن يفاوضني بنفسه في ذلك الأمر فلجأ إلى الشيخ عبده وكانت المعرفة قد اتصلت بينهما بسببي فدعاني الشيخ