أربعين سنة؛ وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها في مواضعها من الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر أو خمسة أشهر فيقول قد أقمت الكثير. وكان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا فيصلي ثلثه وينام ثلثه ويصنف ثلثه. وذكر من ترجموا له أنه كان فاضلاً في دينه وفي علمه، ربانياً متفننا في أصناف علوم الإسلام، صحيح النقل لم يطعن عليه في شيء من أمره ودينه
غلب على أبي عبيد جمع المتفرق في الكتب وتفسيره وذكر الأسانيد، وصنف المسند على حدته، وأحاديث كل رجل من الصحابة والتابعين على حدته، وأجاد تصنيفه، فرغب فيه أهل الحديث والفقه واللغة لاجتماع ما يحتاجون إليه فيه، وكتابه الوحيد الذي ظهر بالطبع كتاب الأموال وهو كما وصفوه من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده. جرى فيه على أسلوب قدماء المؤلفين من إيراد الرواية والسند في الأحاديث، لكنه لا يطيل في ذكر الرواة وينسب الحديث إلى آخر راوية معتمد، ثم يشرع في شرح ما أبهم وتفسير ما أعضل من الأحكام، يرجح ما هو أولى بالترجيح، ويبين عن رأيه بصراحة. بأسلوب محكم سلس ينم عن إحاطته بالأقوال الصحيحة المأثورة عن صاحب الشرع، ثم يشير إلى عمل الصحابة والتابعين من بعده في أحكام الأموال وصنوفها والفيء والصدقات والجزية وفتوح الأرضين صلحاً أو عنوة، وما يتبع ذلك من الأحكام التي قال بها القرآن أو فسرتها السنة أو عدلها بعض الصحابة بحسب الحال
فقد ذكر في باب ما لا يجوز لأهل الذمة أن يحدثوا في أرض العنوة وفي أمصار المسلمين وما لا يجوز قول عمر (ض)(لا كنيسة في الإسلام ولا خصاء) وقول عمر بن عبد العزيز: (لا تهدموا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار، ولا تحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا بيت نار)، فقال أبو عبيد: أُراه يعني الكنائس والبيع وبيوت النيران يقول: لا ينبغي أن تكون مع المساجد في أمصار المسلمين. قال أبو عبيد، فهذا ما جاء في الكنائس والبيع وبيوت النار، وكذلك الخمر والخنازير قد جاء فيهما النهي عن عمر، ثم قال: وأما وجوه هذه الأحاديث التي منع فيها أهل الذمة من الكنائس والبيع وبيوت النيران والصليب والخنازير والخمر أن يكون ذلك في أمصار المسلمين خاصة، وبيانه في حديث ابن عباس. حدثنا أبو عبيد قال: سمعت علي بن عاصم يحدث عن أبي علي الرحبي عن عكرمة عن ابن عباس قال: