أيُّما مِصرٍ مَصّرَته العرب؛ فليس لأحد من أهل الذمة أن يبنوا فيه بيعة ولا يباع فيه خمر، ولا يقتنى فيه خنزير ولا يضرب فيه بنقوس، وما كان قبل ذلك فحق على المسلمين أن يوفوا لهم به. قال أبو عبيد: وقوله كل مصر مصرته العرب يكون التمصير على وجوه: فمنها البلاد التي يسلم عليها أهليها مثل المدينة والطائف واليمن، ومنها كل أرض لم يكن لها أهل فاختطها المسلمون اختطاطاً، ثم نزلوها مثل الكوفة والبصرة وكذلك الثغور، ومنها كل قرية افتتحت عنوة، فلم ير الإمام أب يردها إلى الذين أخذت منهم. ولكنه قسما بين الذين افتتحوها كفعل رسول الله (ص) بأهل خيبر. فهذه أمصار المسلمين التي لا حظَّ لأهل الذمة فيها، إلا أن الرسول كان أعطى أهل خيبر اليهود معاملة لحاجة المسلمين وكانت إليهم، فلما استغنى عنهم أجلاهم عمر وعادت كسائر بلاد السلام: فهذا حكم أمصار العرب، وإنما نرى أصل هذا من قول رسول الله (ص) أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وفي ذلك آثار ثم ساق الأحاديث، والمأثور عن عمر في جلاء غير المسلمين من جزيرة العرب، وذكر بلاد الصلح كهَجر والبحرين وأَيلة ودومة الجندل وأَذْرُح. وذكر أحكام البلاد التي فتحها عمر كالشام ومصر والعراق الخ
ومما ذكر، وهو ما نطيل بنقله إرادة الوقوف على طريقته في تأليفه، (ص ١٦٩) أن عمر بن الخطاب استعمل عُمَيْر ابن سعد أو سعد على طائفة الشام، فقدم عليه قَدمة فقال: يا أمير المؤمنين، إن بيننا وبين الروم مدينة يقال لها عرب السوس وإنهم لا يخفون على عدونا من عوراتنا شيئاً، ولا يظهروننا على عوراتهم، فقال له عمر: فإذا قدمت فخيرهم بين أن تعطيهم مكان كل شاة شاتين، ومكان كل بعير بعيرين، ومكان كل شيء شيئين فان رضوا بذلك فأعطهم وخَرّبها، فان أبو فانبذ إليهم وأجلهم سنة ثم خرّبها، فقال: اكتب لي عهداً بذلك فكتب له عهداً، فلما قدِم عمر عليهم عرض عليهم فأبوا، فأجلهم سنة ثم أخَرّبها. قال أبو عبيد: وهذه مدينة بالثغر من ناحية الحدث يقال لها عرب سوس وهي معروفة هناك - ومعروفة لعهدنا بهذا الاسم أيضاً - وقد كان لهم عهد فصاروا إلى هذا. وإنما نرى عمر عرض عليهم ما عرض من الجلاء، وأن يُعْطَوْا الضعف من أموالهم، لأنه لم يتحقق ذلك عنده من أمرهم، أو أن النكث كان من طوائف منهم دون إجماعهم، ولو أطبقت جماعتهم عليه ما أعطاهم من ذلك شيئاً إلا القتال والمحاربة، وقد كان نحوٌ من هذا قريباً الآن في