دهر الأوزاعي بموضع بالشام يقال له جبل لبنان، وكان ناس من أهل العهد فأحدثوا حدثاً، وعلى الشام يومئذ صالح بن علي فحاربهم وأجلاهم، فكتب الأوزاعي فيما ذكر لنا محمد بن كثير برسالة طويلة منها:(قد كان من إجلاء أهل الذمة من أهل جبل لبنان، مما لم يكن تمالأ عليه خروج من خرج منهم، ولم تُطبق عليه جماعتهم، فقتل منهم طائفة ورجع بقيتهم إلى قراهم. فكيف تأخذ عامة بعمل خاصة فيخرجون من ديارهم وأموالهم. وقد بلغنا أن من حكم الله جل وعز أنه لا يأخذ العامة بعمل الخاصة ولكن يأخذ الخاصة بعمل العامة، ثم يبعثهم على أعمالهم، فأحق ما اقتدى به ووقف عليه حكم الله تبارك وتعالى، وأحق الوصايا بأن تحفظ وصية رسول الله (ص)، وقوله:(من ظلم معاهداً أو كفله فوق طاقته فأنا حجيجه، ومن كانت له حرمة في دمه فله في ماله والعدل عليه مثلها، فانهم ليسوا بعبيد فتكونوا من تحويلهم من بلد إلى بلد في سعة، ولكنهم أحرار أهل ذمة الخ). وكتاب الأوزاعي هذا نقله البلاذري في فتوح البلدان مع اختلاف يسير
وهكذا يمضي المؤلف في تأليفه ومعالجة فصول كتابه الممتع. يأتي بالآثار المشهورة الصحيحة على مثل هذه الطريقة السهلة، وفيها جمل من الأحكام التي استخرجها الحكام بعد عهد صاحب الشرع الأعظم. وقد أورد كثيراً من الكتب والمعاهدات والعقود والاقطاع، وذكر فصولاً في الصدقات والغنائم والزكوات وثمار الأرضين وما يجبى منها وما لا يجنى والمعادن والركاز والمكاييل والمكوس والعشور ومخارج الصدقة وسبيلها التي توضع فيها والوقف، إلى غير ذلك من الأبواب بحيث لم يترك شيئاً مما يحتاج إليه من يريد الوقوف على أحكام كل ذلك في الإسلام، وإن كان أكثره، ويا للأسف أصبح يتلى اليوم للعلم به فقط، أو التربك بسيره السلف الصالح وترداده لمعرفة تاريخ تشريعهم
ومما قال في إسقاط الجزية عمن أسلم: وإنما احتاج الناس إلى هذه الآثار (عن الصحابة وغيرهم) في زمن بني أُمية، لأنه يروى عنهم أو عن بعضهم أنهم كانوا يأخذونها منهم وقد أسلموا، يذهبون إلى أن الجزية بمنزلة الضرائب على العبيد، يقولون فلا يسقط إسلام العبد عنه ضريبته، ولهذا استجاز من استجاز من القراء الخروج عليهم، وقال إن عمر بن عبد العزيز فرض على رهبان الديارات على كل راهب دينارين، ولا أرى عمر فعل هذا إلا لعلمه بطاقتهم له، وأن أهل دينهم يتحملون ذلك لهم، كما أنهم يكفونهم جميع مؤوناتهم! وقال