إن رسول الله (ص) استحل دماء بني قريظة لمظاهرتهم الأحزاب عليه، وكانوا في عهد منه، فرأى ذلك نكثاً لعهدهم وإن كانوا لم يقتلوا من أصحابه أحدا، ونزل بذلك القرآن في سورة الأحزاب، قال وكذلك آل أبي الحقيق رأى كتمانهم إياه فاشترطوا له ألا يكتموه نكثاً، وقد حكم بمثل ذلك عمرو بن العاص بمصر
وقال في القريات التي أقطعها الرسول لتميم الداري في فلسطين: إنها أرض معمورة لها أهل فإنما ذلك على وجه النفل له من رسول الله (ص)، لأن هذا كان قبل أن تفتح الشام، وقبل أن يملكها المسلمون، فجعلها له نفلا من أموال أهل الحرب إذا ظهر عليها، وهذا كفعلة بابن بقيلة عظيم الحيرة حين سأله إياها الشيباني، فجعلها له بمثل افتتاح الحيرة، فأمضاها له خالد ابن الوليد حين ظهر عليها، وكذلك إمضاء عمر لتميم حين افتتح فلسطين. ومما قال في الإقطاع:(وأما إقطاع أبي بكر طلحة وعيينة، وما كان من إنكار عمر ذلك وامتناعه من الختم عليه، فلا أعلم له مذهبا إلا أن يكون رأي عمر أنه كان يومئذ يكره الإقطاع ولا يراه، ألا تسمع قول طلحة: (أهذا لك دون الناس) ثم رأى بعد ما أفضى الأمر إليه غير ذلك، فقد علمنا أنه قد أقطع غير واحد في خلافته، وهذا كالرأي يراه الرجل ثم يتبين له الرشد في غيره فيرجع إليه، وهذا من أخلاق العلماء قديما وحديثا)
ومما قال في السبب الذي دعا إلى ضرب الدراهم:(قال أبو عبيد: سمعت شيخا من أهل العلم بأمر الناس، كان معنياً بهذا الشأن، يذكر قصة الدراهم وسبب ضربها في الإسلام، وقال: إن الدراهم التي كانت نقد الناس على وجه الدهر لم تزل نوعين: هذه السود الوافية، وهذه الطبرية العُتُق، فجاء الإسلام وهي كذلك، فلما كانت بنو أُمية وأرادوا ضرب الدراهم نظروا في العواقب فقالوا: إن هذه تبقى مع الدهر، وقد جاء فرض الزكاة (إن في كل مائتين أو في خمس أواقيَّ خمسة دراهم) والأوقية أربعون، فأشفقوا إن جعلوها كلها على مثال السود؛ ثم فشا فشواً بعد لا يعرفون غيرها، أن يحملوا معنى الزكاة على أنها لا تجب حتى تبلغ تلك السود العظام، مائتين عدداً فصاعداً، فيكون في هذا بخس للزكاة؛ وأشفقوا إن جعلوها كلها على مثال الطبرية أن يحملوا المعنى على أنها إذا بلغت مائتين عدداً حلت فيها الزكاة، فيكون ذلك اشتطاطاً على رب المال، فأرادوا منزلة بينهما يكون فيها كمال الزكاة من غير إضرار بالناس، وأن يكون مع هذا موافقا لما وقت رسول الله (ص) في الزكاة؛