إلى أن قال بعد شرح ما عملوه بشأن الدراهم: فمضت سنة الدراهم على هذا واجتمعت عليه الأمة فلم تختلف أن الدرهم التام هو ستة دوانيق، فما زاد أو نقص قيل درهم زائد أو ناقص، فالناس في زكاتهم بحمد الله ونعمته على الأصل الذي هو السنة والهدى لم يزيغوا عنه ولا التباس فيه، وكذلك المبايعات والديات على أهل الورق، وكل ما يحتاج إلى ذكرها فيه، هذا كما بلغنا، أو هذا معناه اهـ)
ومما روي في صدقة الحلي من الذهب والفضة:(إن عبد الله ابن عمرو حَلّى ثلاث بنات له بستة آلاف دينار، فكان يبعث مولى له جليداً كل عام فيخرج زكاته منه)، ومما قال:(وشرائع الإسلام أُمهات لا يقاس بعضها ببعض، لأن لكل واحدة حكماً غيرُ الأخرى)، ونقل كثيراً من كتب عمر بن عبد العزيز تأييداً للأحكام التي وردت في القرآن وفسرتها السنة، وكان عمل الراشدين ومن بعدهم سنة متبعة في الأموال، ومنها كتب عمر بن عبد العزيز: أن اقضوا عن الغارمين، فكتب إليه: إنا نجد الرجل له المسكن والخادم والفرس والأثاث. فكتب عمر: لابد للمرء المسلم من مسكن يسكنه، وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، ومن أن يكون له الأثاث في بيته، نعم فاقضوا عنه فانه غارم)
ويغتبط قارئ كتاب الأموال أن يرى نور العقل يتخلل كلام أبي عبيد، وأن يقرأ فيه صورة جميلة من تأليف القوم في القرن الثاني وأوائل الثالث بهذه البلاغة الخالية من التكلف. ولو كتبت العلوم الإسلامية كلها على المثال الذي كتب به علماء القرون الأولى لاقتصرت على طالبها طرق التعليم. ولنجا الناس من استظهار تلك الدساتير التي جمد من اقتصر عليها، وسار من تفلت من قيودها سيراً متساوقاً وصل به إلى الغاية، ويشبه كتاب الأموال في تأليفه تأليف يحيى بن آدم في الخراج، ولا يشبه كتاب الخراج لأبي يوسف بأسلوبه، لأن هذا عبارة عن رسالة شرعية سياسية إدارية كتبها إمام عظيم لإمام عظيم في إصلاح مملكته، وأورد له الأحكام للتدليل على ما يقول، ولم يكتبها للتعليم والتفقيه، وفي كتاب الأموال كثير من الفصح والشوارد اللغوية وألفاظ يمكن إحياؤها وهي اليوم منسية أو في حكم المنسي
ويسرني أن ناشر كتاب الأموال الأستاذ محمد حامد الفقي هو من علماء الأزهر، وقد جوّد في التصحيح والتعليق عليه، وإيراد الروايات المختلفة، وطبعه على نسختين مصرية