٦ - أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَاجِّ بْنِ يَحْيَى الإِشْبيلِيُّ الشَّاهِدُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعِمِائَةٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مَرْوَانَ بْنِ يَحْيَى الْقَيْسَرَانِيُّ الْبَزَّارُ، قِرَاءَةً عَلَيْهِ، وَأَنَا أَسْمَعُ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَمْرُو بْنُ ثَوْرٍ، قَالا: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَن سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ نَوْفًا، يَقُولُ: لَيْسَ صَاحِبُ مُوسَى الْخَضِرَ نَبِيَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
فَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: يَا سَعِيدُ أَنْتَ سَمِعْتَهُ يَقُولُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَ نَوْفٌ، حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيَّ، وَعَلَى مُوسَى، وَلَوْلا أَنَّهُ عَجَّلَ وَاسْتَحْيَا، وَأَخَذَتْهُ ذِمَامَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَقَالَ لَهُ: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف: ٧٦] لَرَأَى مِنْ صَاحِبِهِ عَجَبًا، قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيَّ، وَعَلَى صَالِحٍ، رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيَّ وَعَلَى أَخِي عَادٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مُوسَى بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ قَوْمَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ قَالَ لَهُمْ: مَا فِي الأَرْضِ أَعْلَمُ مِنِّي، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ فِي الأَرْضِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ تُزَوِّدَ حُوتًا مَلِيحًا.
فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ حَتَّى إِذَا أَتَيَا الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، انْطَلَقَ مُوسَى يَطْلُبُهُ، وَوَضَعَ فَتَاهُ الْحُوتَ عَلَى صَخْرَةٍ، اضْطَرَبَ، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا، فَقَالَ فَتَاهُ: إِذَا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَدَّثْتُهُ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ، فَانْطَلَقَا، فَأَصَابَهُمَا مَا يُصِيبُ الْمُسَافِرَ مِنَ النَّصَبِ، وَالْكَلالِ، وَلَمْ يُصِيبْهُمَا مَا يُصِيبُ الْمُسَافِرَ مِنَ النَّصَبِ، وَالْكَلالِ حَتَّى جَاوَزُوا مَا أُمِرَ بِهِ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: ٦٢] ، فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ: أَرَأَيْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ أَنْ أُحَدِّثَكَ، وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي، فَرَجَعَا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا يَقُصَّانِ الأَثَرَ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ يَعْنِي فَأَطَافَ بِهَا مُوسَى، فَإِذَا هُوَ مُسَجًّى بِثَوْبٍ لَهُ ".
قَالَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي: الرَّجُلَ " فَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا مُوسَى، قَالَ: مَنْ مُوسَى؟ قَالَ: نَبِيُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أُخْبِرْتُ أَنَّ عِنْدَكَ عِلْمًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَصْحَبَكَ، قَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: ٦٧] ، قَالَ: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: ٦٩] ، قَالَ: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} [الكهف: ٦٨] ، وَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَفْعَلَهُ، وَلا عِلْمَ لَكَ بِهِ، قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا، قَالَ: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا {٧٠} فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ} [الكهف: ٧٠-٧١] عَرَفُوهُمْ، فَحَمَلُوهُمْ بِغَيْرِ أَجْرٍ فَعَبَرَا، فَخَرَجَ مَنْ كَانَ فِيهَا، وَتَخَلَّفَ لِيَخْرِقَهَا، فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أَتَخْرِقُهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا، لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا، قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا، قَالَ: لا تُؤَاخِذُنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقُنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا إِلَى غِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَفِيهِمْ غُلامٌ لَيْسَ فِي الْغِلْمَانِ فِي نَادِي الذّمَارِ غُلامٌ أَحْدَثَ وَلا أَنْظَفَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ فَقَتَلَهُ، فَنَفَرَ مُوسَى عِنْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا، قَالَ: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: ٧٥] ، قَالَ فَأَخَذَتْهُ ذِمَامَةٌ مِنْ صَاحِبِهِ وَاسْتَحْيَا، وَقَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبُنِي قَدْ بَلَغْتُ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا، وَقَدْ أَصَابَ مُوسَى جَهْدٌ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ، قَالَ لَهُ مُوسَى مِمَّا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْجَهْدِ، قَالَ مُحَمَّدٌ الْفِرْيَابِيُّ يَعْنِي الْجُوعَ: {لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: ٧٧] ، قَالَ هَذَا فِرَاقٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَأَخَذَ مُوسَى بِطَرَفِ ثَوْبِهِ، فَقَالَ: حَدِّثْنِي فَقَالَ: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: ٧٩] {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: ٧٩] ، فَإِذَا مَرَّ عَلَيْهَا فَرَآهَا مُنْخَرِقَةً تَرَكَهَا، وَرَقَّعَهَا أَهْلُهَا بِقِطْعَةِ خَشَبَةٍ فَانْتَفَعُوا بِهَا، وَأَمَّا الْغُلامُ فَإِنَّهُ كَانَ طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا وَكَانَ قَدْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ مَحَبَّةٌ مِنْ أَبَوَيْهِ وَلَوْ عَصَيْنَهُ شَيْئًا لأَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبَدِّلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، فَوَقَعَ أَبُوهُ عَلَى أُمِّهِ فَوَلَدَتْ خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا، وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا، فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ".
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ: إِنَّهَا وَلَدَتْ جَارِيَةً، وَأَنَّ الْجَارِيَةَ وَلَدَتْ نَبِيًّا، يُقَالُ: لَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَهُوَ النَّبِيُّ الَّذِي قَالَتْ لَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ: ابْعَثْ لَنَا مَلَكًا نُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute