-١٠ - وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ذِي النُّونِ , عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»
وَبِإِسْنَادِهِ إِلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ أَبُو الْفَيْضِ وَيُقَالُ: الْفَيْضُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ , وَذُو النُّونِ لَقَبٌ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ , صَاحِبُهُ , وَيُقَالُ أَنَّ اسْمَهُ ثَوْبَانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَذُو النُّونِ لَقَبٌ , وَيُقَالُ: ذُو النُّونِ بْنُ أَحْمَدَ , كَذَلِكَ ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ السِّجْزِيُّ , وَذَكَرَ أَبُو يَعْقُوبَ يُوسُفُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُهُ أَنَّ كُنْيَتَهُ أَبُو الْفَيَّاضِ وَاسْمَهُ الْفَيْضُ , أَخْبَرَنِي كَذَلِكَ عَنْهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ بَكْرٍ الْوَرْثَانِيُّ.
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ الأَبْهَرِيُّ , حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيُّ , قَالَ: ذُو النُّونِ الْمِصْرِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْفَيَّاضِ , وَاسْمُهُ الْفَيْضُ , سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيَّ الْحَافِظَ , أَنْبَأَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيّ الْمَادَرَائِيُّ , قَالَ: قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو عُمَرَ الْكِنْدِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي أَعْيَانِ الْمَوَالِي فَذَكَرَ فِيهِ: وَمِنْهُمْ ذُو النُّونِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِخْمِيمِيُّ مَوْلًى لِقُرَيْشٍ، وَكَانَ أَبُوهُ إِبْرَاهِيمُ نُوبِيًّا رَئِيسَ الْقَوْمِ وَالْمَرْجُوعَ إِلَيْهِ , وَالْمَقْبُولَ عَلَى جَمِيعِ الأَلْسِنَةِ , وَأَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ عَنْ عُلُومِ الأَحْوَالِ وَالْمُنَازَلاتِ، لَهُ السِّيَاحَاتُ الْمَشْهُورَةُ وَالرِّيَاضِيَّاتُ الْمَذْكُورَةُ , وَذُو النُّونِ مِنْ أَهْلِ أَخْمِيمَ، نَاحِيَةٌ مِنْ نَوَاحِي مِصْرَ , وَدَخَلَ ذُو النُّونِ الْعِرَاقَ فَدَخَلَ بَغْدَادَ، وَلَمْ يُقِمْ بِهَا كَثِيرًا وَنَزَلَ.......
سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، حُمِلَ إِلَى الْمُتَوَكِّلِ عَلَى الْبَرِيدِ مِنْ مِصْرَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَوَعَظَهُ , وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُتَوَكِّلِ أَهْلَ الْوَرَعِ بَكَى , وَقَالَ: إِذَا ذُكِرَ أَهْلُ الْوَرَعِ فَجَهْلا بِذِي النُّونِ، وَكَانُوا أَرْبَعَ إِخْوَةٍ: ذُو النُّونِ , وَذُو الْكِفْلِ , وَعَبْدُ الْخَالِقِ , وَعَبْدُ الْبَارِئِ , وَكَانَ أَهْلُ مِصْرَ يُسَمُّونَهُ الزِّنْدِيقَ، فَلَمَّا مَاتَ أَظَلَّتِ الطَّيْرُ جِنَازَتَهُ فَاحْتَرَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ قَبْرَهُ , وَلَمَّا مَرِضَ ذُو النُّونِ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قِيلَ لَهُ: مَا تَشَتْهِي؟ قَالَ: أَنْ أَعْرِفَهُ قَبْلَ مَوْتِي بِلَحْظَهٍ، وَلَمَّا مَاتَ وُجِدَ عَلَى قَبْرِهِ مَكْتُوبٌ: مَاتَ ذُو النُّونِ حَبِيبُ اللَّهِ مِنَ الشَّرَقِ قَتِيلُ اللَّهِ , سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ الْحُلْوَانِيَّ بِبَغْدَادَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو سَعْدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى: ذُو النُّونِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الأَخْمِيمِيُّ , الزَّاهِدُ يُكَنَّى أَبَا الْفَيْضِ، وَكَانَ حَكِيمًا فَصِيحًا وَأَصْلُهُ مِنَ النُّوبَةِ , وَكَانَ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى مِصْرَ، يُقَالُ لَهَا: أَخْمِيمُ , تُوُفِّيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ , سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَرْدَعِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الْخِرَقِيَّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ , وَقِيلَ لَهُ: أَيُّ النَّاسِ أَقْرَبُ إِلَى الْكُفْرِ؟ قَالَ: ذُو فَاقَةٍ لا صَبْرَ لَهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ دَاوُدَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ الْجَلاءِ يَقُولُ: لَقِيتُ سِتَّ مِائَةِ شَيْخٍ مَا لَقِيتُ فِيهِمْ مِثْلَ أَرْبَعَةٍ ذَا النُّونِ , وَقَالَ ذُو النُّونِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ حُكْمٌ لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ.
سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ بْنَ بَكْرٍ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْخَوَّاصَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: وَسُئِلَ عَنِ السَّمَاعِ , فَقَالَ: رَسُولُ حَقٍّ جَاءَ يُزْعِجُ إِلَى حَقٍّ، فَمَنْ أَصْغَى إِلَيْهِ بِحَقٍّ تَحَقَّقَ , وَمَنْ أَصْغَى إِلَيْهِ بِنَفْسٍ تَزَنْدَقَ.
سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عُمَرَ الْحَافِظَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّقَّاشَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ , يَقُولُ: مَنْ جَهِلَ قَدْرَهُ هَتَكَ سِتْرَهُ.
وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ عُمَرَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ رَشِيقٍ , سَمِعْتُ أَبَا دُجَانَةَ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ , يَقُولُ: لا تَسْكُنُ الْحِكْمَةُ مَعِدَةً مُلِئَتْ بِطَعَامٍ.
سَمِعْتُ عَبْدَ الْوَاحِدِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ مُقَابِلٍ الْبَغْدَادِيَّ , يَقُولُ: لَمَّا دَخَلَ ذُو النُّونِ بَغْدَادَ دَخَلَ عَلَيْهِ صُوفِيَّةُ بَغْدَادَ وَمَعَهُمْ قَوَّالٌ، فَقَالُوا: أَتَأْذَنُ لَهُ حَتَّى يَقُولَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ الْقَوَّالُ:
صَغِيرُ هَوَاكَ عَذَّبَنِي ... فَكَيْفَ بِهِ إِذَا احْتَنَكَا
وَأَنْتَ جَمَعْتَ مِنْ رُوحِي ... هَوَاءً قَدْ كَانَ مُشْتَرَكَا
أَمَا تَرْثِي لِمُكْتَئِبٍ ... إِذَا ضَحِكَ الْخَلِيُّ بَكَى
قَالَ: فَقَامَ ذُو النُّونِ وَتَوَاجَدَ وَطَالَ تَوَاجُدُهُ , ثُمَّ قَعَدَ فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ يَتَوَاجَدُ , فَقَالَ لَهُ ذُو النُّونِ: وَالَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ فَقَعَدَ الرَّجُلُ , وَقَالَ ذُو النُّونِ: مَنْ كَانَ فِي تَوْحِيدِهِ نَاظِرٌ إِلَى نَفْسِهِ لَمْ يُنْجِهِ تَوْحِيدُهُ مِنَ النَّارِ , تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ.
أَخْبَرَنِي الشَّيْخُ ابْنُ رَشِيقٍ الْمِصْرِيُّ , إِجَازَةً عَنْ جَبَلَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّدَفِيِّ , حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ , قَالَ: مَاتَ ذُو النُّونِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ انْتُهِيَ مِنْ طَبَقَاتِ الصُّوفِيَّةِ لأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ.
وَبِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْمَالِينِيِّ , سَمِعْتُ أَبَا حَفْصٍ مُعَاذَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَتِيقٍ الأَخْمِيمِيَّ بِهَا قَالَ: الْمُهَاجِرُ بْنُ مُوسَى بْنِ سُلَيْمَانَ الأَخْمِيمِيُّ، قَالَ: قَالَ ذُو النُّونِ: ثَلاثُ خِصَالٍ مِنَ الْكَرَمِ حُسْنُ الْمَحْضَرِ , وَاحْتِمَالُ الزَّلَّةِ , وَقِلَّةُ الْمَلامَةِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ السَّرَخْسِيُّ , بِمَكَّةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ , يَقُولُ وَفِي يَدِهِ الْغُلُّ وَفِي رِجْلَيْهِ الْقَيْدُ، وَهُوَ يُسَاقُ إِلَى الْمُطْبَقِ وَالنَّاسُ يَبْكُونَ حَوْلَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا مِنْ مَوَاهِبِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مِنْ عَطَايَاهُ وَكُلُّ فِعَالِهِ عَذْبٌ حَسَنٌ طَيِّبٌ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
لَكَ مِنْ قَلْبِي الْمَكَانُ الْمَصُونُ ... كُلَّ يَوْمٍ عَلَيَّ فِيكَ يَهُونُ
لَكَ عَزْمٌ بِأَنْ أَكُونَ قَتِيلا فِيكَ ... فَالصَّبْرُ عَنْكَ مَا لا يَكُونُ
أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ رَشِيقٍ , حَدَّثَنِي أَبُو دُجَانَةَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَعَافِرِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: أَمَا إِنَّهُ مِنَ الْحُمْقِ الْتِمَاسُ الإِخْوَانِ بِغَيْرِ الْوَفَاءِ , وَطَلَبُ الآخِرَةِ بِالرِّئَاسَةِ , وَمَوَدَّةُ النِّسَاءِ بِالْغِلْظَةِ.
أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُحَرَّمِيُّ الصُّوفِيُّ , حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ , قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ وَهُوَ دَاخِلٌ إِلَى الْحَبْسِ يَقُولُ: الْحَسَدُ دَاءٌ لا يَبْرَأُ وَحَسْبُ الْحَسُودِ مِنَ الشَّرِّ مَا يَلْقَى , وَدَخَلَ الْحَبْسَ.
أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ , أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ , قَالَ: سُئِلَ ذَا النُّونِ عَنِ الْمَحَبَّةِ؟ فَقَالَ: قُرْبُ الْقَلْبِ مِنَ الْمَحْبُوبِ عَلَى الطَّمَأْنِينَةِ وَالشُّكُورِ.
أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ , قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ جَمِيلٍ أَبَا عَلِيٍّ , يَقُولُ: سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ الْحُسَيْنِ , يَقُولُ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: مَنْ رَاقَبَ الْعَوَاقِبَ سَلِمَ.
انْتُهِيَ مِنَ الأَرْبَعِينَ لِلْمَالِينِيِّ , تَمَّ ذَلِكَ وَالْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.