ولذلك فقد حذّر النبيّ صلى الله عليه وسلم من دُعاء المظلوم ولو كان كافراً، فقال صلى الله عليه وسلم:«اتقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافراً، فإنه ليس دونها حجاب»(١) .
وبذلك يؤكد الإسلام على فرض العدل مع غير المسلمين، بأقوى تأكيد، والعَدْلُ رأس كُلّ فضيلة.
فبهذه الأخلاق والآداب يُعامل المسلمون غيرَ المسلمين، وهذه الأخلاقُ والآداب من دين الإسلام، يأمرهم بها كتابُ ربهم وسُنَّةُ نبيّهم صلى الله عليه وسلم. وما دامت من دين الله تعالى، فلا يمكن أن تتعارض مع حكم آخر من دين الله تعالى أيضاً، وهو (الولاء والبراء) .
ولا شك أن بعضَ جهلة المسلمين (فضلاً عمّن سواهم) ظنّوا أن بين تلك الآداب و (الولاء والبراء) تعارضاً، وأنه لا يُمكن أن يجمع المسلم بينهما. فمال بعضهم إلى التفريط في (الولاء والبراء) غلوّاً في تطبيق تلك الآداب، ومال ببعضهم الآخر إلى الإفراط في تلك الآداب غلوًّا في (الولاء والبراء) . ودين الله وسط، بين الغالي والجافي.
وبيان عدم تعارض تلك الآداب مع (الولاء والبراء) : أن تلك الآداب إذا أردنا أن تكون شرعيّةً محبوبةً لله تعالى، فيجب أن نلتزم بها: طاعةً لأمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، مع بُغض الكفار لكفرهم، ومع عدم نُصرة غير المسلمين على المسلمين؛ فنحن نلتزم بتلك الآداب لا حُبًّا للكفار، ولكن إقامةً للعدل والإحسان الذي أُمرنا به.
(١) أخرجه الإمام أحمد (رقم ١٢٥٤٩) ، وابن معين في تاريخه (رقم ٥٢٨١) ، والضياء في المختارة (٧ / ٢٩٣-٢٩٤ رقم ٢٧٤٨ - ٢٧٤٩) ، وفي إسناده رجل فيه جهالة. لكن للحديث شواهد: فانظر: السلسلة الصحيحة للألباني (رقم ٧٦٧) ، ومسند الإمام أحمد (رقم ٨٧٩٥) . ويشهد له قصةٌ في صحيح البخاري (رقم ٤٣٩، ٣٨٣٥) ، وانظر تعليق الحافظ ابن حجر على هذا الحديث في فتح الباري (١ / ٥٣٥) .