الأول: عدم شمول النظرة إلى أدلّة الكتاب والسنة التي مع وضوح عقيدة (الولاء والبراء) فيها، فقد أمرت بآدابٍ وأخلاقٍ نُعَاملُ بها غيرَ المسلمين. فيقتصرون على الجانب الأوّل، مع إغفال أو استشكال الجانب الثاني. فيقودهم ذلك إلى تطبيق خطأٍ للبراء، لا يُقِرُّهم عليه دينُهم؛ لأنهم انطلقوا في تطبيقهم للبراء بغير قيدٍ أو ضابط.
الثاني: عدم مراعاة فقه المصالح والمفاسد، بأن دَرْءَ المفسدة مقدَّمٌ على جَلْب المصلحة، وأنه تُدْفَعُ أشد المفسدتين بأخفّهما.
وفقه المصالح والمفاسد بابٌ عظيمٌ جدًّا من أبواب الفقه الإسلامي، بل لقد قامت الشريعةُ كلها عليه. ولذلك فإن إدراكه، والتطبيقَ الصحيحَ له، ليس في قدرة أكثر الناس، وإنما هو بابٌ لا يلجه إلا العلماء الربّانيون الفقهاءُ في دين الله تعالى.
وعلاقة ضعف هذا الفقه في غُلاة هذا المظهر من (البراء) بظهوره منهم: هو أنّ المسلمين اليوم يعيشون حالة استضعافٍ، وهم مستهدَفون من غيرهم، طمعاً في ثرواتهم، وخوفاً من يقظتهم وعودتهم إلى سابق مجدهم. ولا شك أن لهذه الحالة أحكاماً وأعذاراً ليست لحالة عز الإسلام وأهله، فلا يصحُّ أن نطالب المستضعَفَ بما نطالب به العزيزَ القاهرَ لعدوّه.
فالغفلة عن هذا الواقع الأسيف، هي سبب الغفلة عن فقه المصالح والمفاسد عند غلاة البراء.
وهؤلاء إن قصدوا (الولاء والبراء) الذي ورد في تلك الآيات وهاتيك الأحاديث النبويّة، وأجمعت عليه الأمّة، وكان من أمور الدين المعلومة منه بالضرورة فلا نخوض معهم في هذه الجُزئيّة أصلاً، وإنما ندعوهم إلى الإسلام أوّلاً؛ فإذا هُمْ أجابونا إلى ذلك، ودخلوا في الإسلام، فإن قلوبهم حينها سَتَنْطِوي على (الولاء والبراء) الشرعيّ. وليسوا في حاجةٍ إلى أكثر من ذلك، لارتباط (الولاء والبراء) بأصل الإيمان، كما قدّمناه.