للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أهمية العقيدة في حياة الإنسان]

أهمية العقيدة في حياة الإنسان ١ - لا بد لكل بناءٍ ماديًّا كان أو معنويًّا من أساس يقوم عليه, والدين الإسلامي بناء متكامل يشمل جميع حياة المسلم منذ ولادته وحتى مماته ثم ما يصير إليه بعد موته، وهذا البناء الضخم يقوم على أساس متين هو العقيدة الإسلامية التي تتخذ من وحدانية الخالق منطلقًا لها كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣] فالإسلام يعنى بالعقيدة ويوليها أكبر عناية سواء من حيث ثبوتها بالنصوص ووضوحها أو من حيث ترتيب آثارها في نفوس معتقديها؛ لذا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث عشر سنين بمكة ينزل عليه القرآن وكان في غالبه ينصب على البناء العقدي حتى إذا ما تمكنت العقيدة في نفوس أصحابه رضوان الله عليهم نزلت التشريعات الأخرى بعد الهجرة إلى المدينة.

٢ - إن العقيدة أيًّا كانت هذه العقيدة تعد ضرورة من ضروريات الإنسان التي لا غنى له عنها ذلك أن الإنسان بحسب فطرته يميل إلى اللجوء إلى قوة عليا يعتقد فيها القوة الخارقة والسيطرة الكاملة عليه وعلى المخلوقات من حوله, وهذا الاعتقاد يحقق له الميل الفطري للتدين ويشبع نزعته تلك، فإذا كان الأمر كذلك فإن أولى ما يحقق ذلك هو الاعتقاد الصحيح الذي يوافق تلك الفطرة ويحترم عقل الإنسان ومكانته في الكون، وهذا ما جاءت به العقيدة الإسلامية, قال الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: ٨٢]

٣ - لما كان الدين الإسلامي بناءً متكاملًا اعتقادًا وعبادةً وسلوكًا، لزم أن يكون هذا البناء متناسقًا ومنسجمًا، لذا نجد أن العنصر الأساسي فيه هو العقيدة الإسلامية التي يقوم عليها، وهي عقيدة التوحيد الخالص لله تعالى، مما يكسبها مركزًا مهمًّا لفهم الدين الإسلامي فهمًا صحيحًا. فالعقائد الإسلامية والعبادات والمعاملات والسلوك كلها تتجه لوجهة واحدة هي إخلاص الدين لله تعالى وهذا الاتجاه المتحد له أهمية قصوى في فهم الدين الإسلامي قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: ١٢٥]

٤ - إن إخلاص الدين لله تعالى لا يبلغ كماله إلا بإخلاص المحبة لله المعبود، والمحبة لا تكتمل إلا بتمام المعرفة, والعقيدة الإسلامية تقدم للإنسان كل ما يجب عليه معرفته في حق الله تعالى وبذلك يبلغ كمال المحبة، وبالتالي يسعى لكمال الإخلاص لله تعالى لأنه أتم معرفته به كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن أعلمكم بالله وأتقاكم له أنا» وقوله: «والله إني لأعلمكم بالله عز وجل وأتقاكم له قلبًا» .

٥ - إن الإنسان هو خليفة الله تعالى في الأرض، وقد وُكِّلَ إليه إعمارها، كما أُمِرَ بعبادة الله تعالى والدعوة إلى دينه. والمسلم في حياته كلها يستشعر أنه يؤدي رسالة الله تعالى بتحقيق شرعه في الأرض: فعقيدته تدفعه إلى العمل الجاد المخلص لأنه يعلم أنه مأمور بذلك دينًا وأنه مثاب على كل ما يقوم به من عمل جَل ذلك العمل أم صغر.

٦ - إن إفراد الله تعالى بالتوجه إليه في جميع الأمور يحقق للإنسان الحرية الحقيقية التي يسعى إليها فلا يكون إلا عبدًا لله تعالى وحده لا شريك له فتصغر بذلك في عينه جميع المعبودات من دون الله، وتصغر العبودية للمادة والانقياد للشهوات؛ فإن العقيدة ما إن تتمكن من قلب المسلم حتى تطرد منه الخوف إلا من الله تعالى والذل إلا لله, وهذا التحرر من العبودية لغير الله تعالى هو الذي جعل جنديًّا من جنود الإسلام - وهو ربعي بن عامر رضي الله عنه - عندما ذهب لملك الفرس حين سأله عن سبب مجيئهم أن يقول له: (لقد جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العالمين ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة) .

<<  <   >  >>