القضايا التي تتكون منها مقدمات القياس، وتتنوع أشكال القياس عنده تنوعًا واسعًا، وقد اهتم العرب بمنطق أرسطو، منذ أن طرقوا باب التأليف، فأخذوا يترجمونه ويشرحونه، ويلخصونه في مؤلفات كثيرة، لم يقفوا عند هذا الحد، ولكنهم استخدموه منهجًا لهم في وضع علومهم، ليس في مجال الأدب فحسب، وإنما نجده ماثلًا في علم الفقه مثلًا، وأصول الفقه، حيث تحدث الفقهاء عن الحدود والتعاريف، والكلي، والجزئي، والعام، والخاص، والقياس.
كما وضح في علوم اللغة والنحو، حين توسع النحاة في الحديث عن القياس، كما توسعوا في الحديث عن العلل، التي يقوم عليها القياس، وهم بذلك في الحقيقة يحاكون أرسطو، حين تحدث عن العلل الأربعة: المادية والصورية والفاعلية والغائية، وقد أدرك العرب قبل غيرهم أن القياس الأرسطي قياس رياضي، يبدأ من الكليات، ثم يطرد في المفردات الجزئية، وإن صح ذلك في الرياضيات، لا يصح في مجال الدراسات الطبيعية والإنسانية، فإن القياس في هذه الدراسات، يبدأ من المفردات الجزئية إلى الكلية العامة، ومن ثم عد الاستقراء، والملاحظة أصلين أساسيين في دراسة تلك العلوم وبحثها.
وضمت التجربة إلى العلوم الطبيعية، هذا في الحقيقة يشهد بعبقرية العرب، وأنهم لا يكونوا مجرد مقلدين، وإنما كانت لهم رؤيتهم الفكرية والمنهجية، التي أدركوا من خلالها أن القياس الأرسطي قياس رياضي، وفهموا ذلك فهمًا عميقًا، ومن خلال إدراك العرب ذلك، تمكنوا من تحقيق نهضة علمية شاملة، تجاوزت حدود العلوم اللغوية والدينية، وحققت ازدهارًا عظيمًا في مجال الطب والصيدلة، والكيمياء، والفلك؛ بفضل التجارب الكثيرة، التي كان يجريها العلماء، وبفضل العبقرية التي كانوا يتصفون بها، والتي من خلالها قدموا إضافاتهم إلى ذلك المنطق الأرسطي.